من قدرت ، وبعث معه بعض جند ، وقال : مر به ولو على بطونهم ، فغدا ابن ميناء متطاولا عليهم ، وعدا من يذبهم من الأنصار ، ورفدتهم قريش (١) فذبوهم حتى تفاقم الأمر ؛ فرجع ولم يعمل شيئا. وكتب عثمان بن محمد إلى يزيد يخبره بذلك ، ويحرضه على أهل المدينة جميعا ؛ فاستشاط غضبا ؛ وقال : والله لأبعثن إليهم الجيوش ، ولأوطئنها الخيل. انتهى.
وقال ابن الجوزي : قال أبو الحسن المدائني ـ وكان من الثقات ـ : أتى أهل المدينة المنبر فخلعوا يزيد ، فقال عبد الله بن أبي عمرو بن حفص المخزومي : قد خلعت يزيد كما خلعت عمامتي ، ونزعها عن رأسه ، إني لأقول هذا وقد وصلني وأحسن جائزتي ، ولكن عدو الله سكر. وقال آخر : قد خلعته كما خلعت نعلي ؛ حتى كثرت العمائم والنعال.
ثم ولوا على قريش عبد الله بن مطيع ؛ وعلى الأنصار عبد الله بن حنظلة. ثم حاصر القوم من كان بالمدينة من بني أمية في دار مروان. فكتب مروان ومن معه إلى يزيد : إنا قد حصرنا ومنعنا العذب ، فيا غوثاه. فوصل الكتاب إليه. فبعث إلى مسلم بن عقبة ـ وهو شيخ كبير ـ فجاء حتى دخل عليه ، وقال له : اخرج وسر بالناس ، فخرج مناديه ، فنادى : أن تسيروا إلى الحجاز على أخذ أعطياتكم كملا ومعونة مائة دينار توضع في يد الرجل من ساعته. فانتدب لذلك اثنا عشر ألف رجل. وكتب يزيد إلى ابن مرجانة أن اغز ابن الزبير ، فقال : لا والله لا أجمعها للفاسق أبدا قتل ابن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وإغزاء البيت وقال يزيد لمسلم : إن حدث بك حادث فاستخلف حصين بن نمير السكوني. وقال له : ادع القوم ثلاثا ، فإن هم أجابوك وإلا فقاتلهم ، وإذا ظهرت عليهم فأبحها ثلاثا بما فيها من مال أو سلاح أو طعام فهو للجند ، فإذا مضت الثلاث فاكفف عنهم ، وانظر علي بن الحسين فاستوص به ، فإنه لم يدخل في شيء مما دخلوا فيه ، فلما بلغ أهل المدينة إقبال الحصين وثبوا على من كان محصورا من بني أمية ، وقالوا : لا نكف عنكم حتى نضرب أعناقكم أو تعطونا عهد الله وميثاقه ألا تبغوا غائلة (٢) ، ولا تدلوا لنا على عورة ، ولا تظاهروا علينا عدوا ، فاعطوهم العهد على ذلك ، فأخرجوهم من المدينة ، فخرجوا حتى لقوا مسلم بن عقبة ، وأرسل إليه مروان ابنه عبد الملك فأشار عليه أن يأتيهم من ناحية الحرة ، وأن ينتظرهم ثلاثا ففعل ، فلما مضت الثلاث قال : يا أهل المدينة ، ما تصنعون؟ قالوا :
__________________
(١) رفدتهم قريش : أعانتهم وساعدتهم على طردهم.
(٢) الغائلة (ج) غوائل : الفساد والشر.