يؤتى به إلا مغلولا ، وإلا أرسل إليه ، فقيل لابن الزبير : ألا نصنع لك أغلالا من فضة تلبس عليها الثوب وتبر قسمه فالصلح أجمل بك؟ قال : فلا أبرّ الله قسمه ، ثم قال :
ولا ألين لغير الحق أسأله |
|
حتى يلين لضرس الماضغ الحجر |
ثم دعا إلى نفسه ، فوجه إليه يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة المري في جيش أهل الشام ، وأمرهم بقتال أهل المدينة ، فإذا فرغ من ذلك صار إلى مكة ، قال : فدخل مسلم بن عقبة المدينة ، وهرب منه يومئذ بقايا أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعاث فيها ، وأسرف في القتل ، ثم خرج منها ، فلما كان في بعض الطريق مات واستخلف حصين بن نمير الكندي ، ثم ذكر حصاره ابن الزبير ، ورميه بالمنجنيق ، واحتراق الكعبة ، قال : وبلغ حصين بن نمير موت يزيد بن معاوية فهرب.
قلت : وسبب أمر يزيد بقتال أهل المدينة ما ذكره الإمام ابن الجوزي قال : لما دخلت سنة اثنين وستين ولّى يزيد عثمان بن محمد بن أبي سفيان المدينة ، فبعث إلى يزيد وفدا من المدينة ، فلما رجع الوفد أظهروا شتم يزيد ، وقالوا : قدمنا من عند رجل ليس له دين ، يشرب الخمر ، ويعزف بالطنابير ، ويلعب بالكلاب ؛ وإنا نشهدكم أنا قد خلعناه. وقال المنذر : أما وإله لقد أجازني مائة ألف درهم ، ولا يمنعني ما صنع أن أصدقكم عنه ؛ والله إنه يشرب الخمر ، وإنه ليسكر حتى يدع الصلاة ؛ ثم بايعوا لعبد الله بن حنظلة الغسيل ؛ وأخرجوا عثمان بن محمد عامل يزيد ؛ وكان ابن حنظلة يقول : يا قوم ؛ ما خرجنا على يزيد حتى خفت أن نرمى بالحجارة من السماء ؛ والله لو لم يكن معي أحد من الناس لأبليت الله فيه بلاء حسنا ؛ وكانت قصة الحرة سنة ثلاث وستين ؛ وفي هذه السنة أخرج أهل المدينة عامل يزيد المتقدم ذكره.
قلت : وفي كتاب الحرة للواقدي ما ملخصه : أن أول ما هاج أمر الحرة أن ابن ميناء كان عاملا على صوافي (١) المدينة ـ وبها يومئذ صواف كثيرة ـ حتى كان معاوية يجد بالمدينة وأعراضها مائة ألف وسق وخمسين ألف وسق ، ويحصد مائة ألف وسق حنطة ، واستعمل يزيد على المدينة عثمان بن محمد بن أبي سفيان ؛ وأن ابن ميناء أقبل بشرج له من الحرة يريد الأموال التي كانت لمعاوية ؛ فلم يزل يسوقه ولا يصده عنه أحد حتى انتهى إلى بلحارث بن الخزرج ، فنقب النقيب فيهم ، فقالوا : ليس ذلك لك ، هذا حدث وضرر علينا ، فأعلم الأمير عثمان بن محمد بذلك ، فأرسل إلى ثلاثة من بلحارث ، فأجابوه إلى أن يمر به ، فأعلم ابن ميناء فغدا بأصحابه فذبّوهم (٢) ، فرجع إلى الأمير فقال : اجمع لهم
__________________
(١) الصوافي : الأملاك ، والأرض مات أهلها ولا وارث لها. و ـ الضياع كان يستخلصها السلطان لخاصته.
(٢) ذبّ عنه : دفع عنه ومنع.