وعن المدائني أيضا عن أبي عبد الرحمن القرشي عن خالد الكندي عن عمته أم الهيثم بنت يزيد قالت : رأيت امرأة من قريش تطوف ، فعرض لها أسود فعانقته وقبلته ، فقلت : يا أمة الله ، أتفعلين هذا بهذا الأسود؟ فقالت : هو ابني ، وقع علي أبوه يوم الحرة.
ونقل العراقي في ذيله عن شيخه أبي المظفر السمعاني أنه روي بسنده إلى أبي غزية الأنصاري قال : كان قوم من أهل المدينة يجتمعون في مجلس لهم بالليل يسهرون فيه ، فلما قتل الناس قتلوا ونجا منهم رجل فجاء إلى مجلسه فلم يحس منهم أحدا ، ثم جاء الليلة الثانية فكذلك ، ثم جاء الثالثة فكذلك ، فتمثل بهذا البيت :
ألا ذهب الكماة وخلّفوني |
|
كفى حزنا بذكرى للكماة |
قال : فنودي من المجلس :
فدع عنك الكماة فقد تولّت |
|
ونفسك فابكها قبل الممات |
فكلّ جماعة لا بدّ يوما |
|
يفرّق بينها شعب الشّتات |
وروى الطبراني عن أبي هارون العبدي قال : رأيت أبا سعيد الخدري رضياللهعنه ممعط اللحية (١) ، فقلت : تعبث بلحيتك؟ قال : لا ، هذا ما لقيت من ظلمة أهل الشام ، دخلوا زمن الحرة ، فأخذوا ما كان في البيت من متاع أو خرثي (٢) ، ثم دخلت طائفة أخرى فلم يجدوا في البيت شيئا فأسفوا أن يخرجوا بغير شيء ، فقالوا : أضجعوا الشيخ ، فجعل كل يأخذ من لحيتي خصلة.
حرق مسلم بن عقبة والخلاف فيه
وروي أيضا عن محمد بن سعيد خبرا قال فيه : فلما جاء يزيد خلاف ابن الزبير ودعاؤه إلى نفسه دعا مسلم بن عقبة المري وقد أصابه الفالج وقال : إن أمير المؤمنين ـ يعني أباه ـ عهد إلي في مرضه إن رابني من أهل الحجاز ريب أن أوجهك إليهم ، وقد رابني ، فقال : إني كما ظن أمير المؤمنين ، اعقد لي وعبّ الجيوش ، قال : فورد المدينة فأباحها ثلاثا ، ثم دعا إلى بيعة يزيد على أنهم أعبد له قن في طاعة الله ومعصيته ، فأجابوه إلى ذلك ، إلا رجلا واحدا من قريش أمه أم ولد ، فقال له : بايع ليزيد على أنك عبد في طاعة الله ومعصيته ، قال : بل في طاعة الله ، فأبى أن يقبل ذلك منه ، فقتله ، فأقسمت أمه قسما لئن أمكنها من مسلم حيا أو ميتا أن تحرقه بالنار ، فلما خرج مسلم بن عقبة من المدينة اشتدت علته فمات ، فخرجت أم القرشي بأعبد لها إلى قبر مسلم ، فأمرت به أن ينبش من عند رأسه فلما وصلوا إليه إذا بثعبان قد التوى على عنقه قابضا بأرنبة أنفه
__________________
(١) ممعط اللحية : تساقط شعرها من داء ونحو ذلك.
(٢) الخرثى : أثاث البيت ، أو أردأ المتاع والغنائم.