شديد ، وقذفت الكعبة بالمجانيق يوم السبت ثالث ربيع الأول ، وأخذ رجل قبسا في رأس رمح فطارت به الريح فاحترق البيت ، فجاءهم نعي يزيد بن معاوية إهلال ربيع الآخر ، وكان بين الحرة وبين موته ثلاثة أشهر ، وقال القرطبي : دون ثلاثة أشهر ؛ لأنه توفي بالذبحة وذات الجنب في نصف ربيع الأول ، فلقد ذاب ذوب الرصاص ، واجترأ أهل المدينة وأهل الحجاز على أهل الشام ، فذلوا حتى كان لا ينفرد منهم رجل إلا أخذ بلجام دابته فنكس عنها ، فقال لهم بنو أمية : لا تبرحوا حتى تحملونا معكم إلى الشام ، ففعلوا ، ومضى ذلك الجيش حتى دخلوا الشام.
وكانت وقعة الحرة ، وقتل الحسين ، ورمي الكعبة بالمنجنيق من أشنع شيء جرى في أيام يزيد.
وقال عبد الرحمن بن سعيد بن زيد أحد العشرة رضياللهعنهم :
فإن تقتلونا يوم حرّة واقم |
|
فنحن على الإسلام أول من قتل |
ونحن قتلناكم ببدر أذلة |
|
وأبنا بأسلاب لنا منكم نفل |
فإن ينج منها عائذ البيت سالما |
|
فكلّ الذي قد نابنا منكم جلل (١) |
يعني بعائذ البيت عبد الله بن الزبير.
وهذه الكائنة غير الإغزاء المذكور في حديث البيداء ؛ ولهذا روى ابن شبة عن أبي المهزم عن أبي هريرة رضياللهعنه قال : يجيء جيش من قبل الشام حتى يدخل المدينة ، فيقتلون المقاتلة ، ويبقرون بطون النساء ، ويقولون : الحبلى في البطن : اقتلوا صبابة الشر ، فإذا علوا البيداء من ذي الحليفة خسف بهم فلا يدرك أسفلهم أعلاهم ولا أعلاهم أسفلهم ، قال أبو المهزم : فلما جاء جيش ابن ذبحة قلنا : هم ، فلم يكونوا هم.
قلت : وقد جاء في بعض الأخبار بيان أن ذلك الجيش جيش السفياني ، يبعثه لقتال المهدي.
وقال يحيى بن سعيد : لم تترك الصلاة في هذا المسجد منذ كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلا ثلاثة أيام : يوم قتل عثمان ، ويوم الحرة ، قال مالك : ونسيت الثالث ، وفي العتبية عن مالك أنه بلغه ذلك عن سعيد بن المسيب بمعناه ، قال ابن رشد : واليوم الثالث الذي ذكر مالك أنه نسيه ، قال محمد بن عبد الحكم : هو يوم خرج به أبو حمزة الخارجي ، وكان خروجه ـ فيما ذكروا ـ في دولة مروان بن محمد بن مروان بن الحكم آخر خلفاء بني أمية.
__________________
(١) الجلل : هيّن يسير. و ـ الشيء الكبير العظيم.