مسير أبي حمزة إلى المدينة
قال خليفة بن خياط : سار أبو حمزة في أول سنة ثلاثين ومائة ، يريد المدينة ، واستخلف على مكة إبراهيم بن الصباح الحميري ، وجعل على مقدمته فلح بن عقبة السعدي ، وخرج أهل المدينة والتقوا بقديد يوم الخميس لتسع خلون من صفر سنة ثلاثين ومائة ، وفلح في ثلاثين ألف فارس ، فقال لهم : خلوا طريقنا فنأتي هؤلاء الذين بغوا علينا وجاروا في الحكم فإنا لا نريد قتالكم ، فأبوا ؛ فقاتلوهم فانهزم أهل المدينة ، وجاءهم أبو حمزة فقال له علي بن الحصين : اتبع هؤلاء القوم ، وأثخن على جريحهم ، فإن لكل زمان حكما ، والإثخان في مثل هؤلاء أمثل ، قال : ما أرى ذلك ، ومضى أبو حمزة إلى المدينة فدخلها يوم الإثنين لثلاث عشر خلت من صفر ، ففي يوم دخوله إياها ـ والله أعلم ـ خلي مسجد النبي صلىاللهعليهوسلم من أن يجمع فيه ، وأصيب من قريش يومئذ ثلاثمائة رجل ، ومن آل الزبير اثنا عشر رجلا ، فما سمع الناس بواكي أوجع للقلوب من بواكي قديد ، ما بقي بالمدينة أهل بيت إلا فيهم بكاء ، وقالت نائحة تبكيهم :
ما للزمان وما ليه |
|
أفنى قديد رجاليه |
فلأبكينّ سريرة |
|
ولأبكين علانيه |
قلت : وذكر الذهبي عن خليفة بن خياط في خبر أبي حمزة هذا ما ملخصه : أن عبد الله بن يحيى الأعور الكندي المسمى طالب الحق ـ بعد أن ملك حضرموت وصنعاء ـ بعث إلى مكة أبا حمزة الخارجي الأباضي المذكور ، فخاف عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك ـ وكان واليا على مكة والمدينة ـ وخذله أهل مكة ، ففارقها في النفر الأول ، وقصد المدينة ، فغلب أبو حمزة على مكة ، ثم سار منها بعد أن استخلف عليها ، فلقي بقديد الجيش الذي أرسله عبد الواحد بن سليمان لقتاله ، فظفر أبو حمزة ، وسار إلى المدينة فدخلها ، وقتل فيها جماعة منهم أربعون رجلا من بني عبد العزى ، وجهز إليه مروان عسكرا ، فلقي بوادي القرى فلحا ، وهو على مقدمة أبي حمزة ، فاقتتلوا ، فقتل فلح وعامة أصحابه ، ثم أدركوا أبا حمزة بمكة ، فقتلوه في خلق من أصحابه ، ثم ساروا لطالب الحق فقتلوه ، انتهى ملخصا.
قلت : ولا يحتمل أن ما نقل عن الأخباريين في الخروج من المدينة إنما كان في هذه الكائنة أو قبل ذلك كله في كائنة بسر بن أرطأة ، فإن القرطبي قال : وذكر أبو عمرو الشيباني قال : لما وجه معاوية رضياللهعنه بسر بن أرطأة لقتل شيعة علي رضياللهعنه