تعالى ، فرجعت تسير في الشرق ، وهو مؤيد لما ذكره القطب ، ومشاهدة آثارها اليوم تقضي بذلك.
قال المطري : وأخبرني بعض من أدركها من النساء أنهن كن يغزلن على ضوئها بالليل على أسطحة البيوت بالمدينة الشريفة.
وقال القسطلاني : إن ضوءها استوى على ما بطن من القيعان (١) ، وظهر من القلاع ، حتى كأن الحرم النبوي عليه الشمس مشرقة ، وجملة أماكن المدينة بأنوارها محدقة ، ودام على ذلك لهبها حتى تأثر له النيران ، وصار نور الشمس على الأرض تعتريه صفرة ، ولونها من تصاعد الالتهاب يعتريه حمرة ، والقمر كأنه قد كسف من اضمحلال نوره ، قال : وأخبرني جمع ممن توجه للزيارة على طريق المشيان أنهم شاهدوا ضوءها على ثلاثة مراحل للمجدّ ، وآخرون أنهم شاهدوها من جبال ساية.
قلت : نقل أبو شامة عن مشاهدة كتاب الشريف سنان قاضي المدينة أن هذه النار رئيت من مكة ومن الفلاة جميعها ، ورآها أهل ينبع.
قال أبو شامة : وأخبرني بعض من أثق به ممن شاهدها بالمدينة أنه بلغه أنه كتب بتيماء على ضوئها الكتب.
وقال المجد : والشمس والقمر في المدة التي ظهرت بها ما يطلعان إلا كاسفين.
قال أبو شامة : وظهر عندنا بدمشق أثر ذلك الكسوف من ضعف النور على الحيطان ، وكنا حيارى من سبب ذلك ، إلى أن بلغنا الخبر عن هذه النار ، وكل من ذكر هذه النار يقول في آخر كلامه : وعجائب هذه النار وعظمتها يكلّ (٢) عن وصفها البنان والأقلام ، وتجل عن أن يحيط بشرحها البيان والكلام ؛ فظهر بظهورها معجزة للنبي صلىاللهعليهوسلم لوقوع ما أخبر به وهي هذه النار ؛ إذ لم تظهر من زمنه صلىاللهعليهوسلم قبلها ولا بعدها نار مثلها.
هل رؤيت النار ببصرى
وقال القسطلاني : إن جاء من أخبر برؤيتها ببصرى فلا كلام ، وإلا فيحتمل أن يكون ذكر ذلك في الحديث على وجه المبالغة في ظهورها ، وأنها بحيث ترى ، وقد جاء من أخبر أنه أبصرها بتيماء ، وبصرى منها مثل ما هي من المدينة في البعد.
قلت : قد تقدم عن القرطبي أنه بلغه أنها رئيت من جبال بصرى ، وصرح الشيخ عماد الدين بن كثير بما يقتضي أنه أضاءت من هذه النار أعناق الإبل ببصرى ، فقال : أخبرني قاضي القضاة صدر الدين الحنفي قال : أخبرني والدي الشيخ صفي الدين مدرس مدرسة
__________________
(١) القيعان : (ج) قاع ، أرض سهلة مستوية مطمئنة عما يحيط بها من الجبال والآكام ، تنصبّ إليها مياه الأمطار فتمسكها ثم تنبت العشب.
(٢) كلّ : كلولا وكلالة : ضعف وعجز.