بصرى أنه أخبره غير واحد من الأعراب صبيحة الليلة التي ظهرت فيها هذه النار ممن كان يحاضره ببلد بصرى أنهم رأوا صفحات أعناق إبلهم في ضوء تلك النار ، فقد تحقق بذلك أنها الموعود بها ، والحكمة في إنارتها بالأماكن البعيدة من هذا المظهر الشريف حصول الإنذار ، ليتم به الانزجار ، كما اتفق لأهل المدينة ، وفي هذا المعنى يقول قائلهم :
يا كاشف الضّرّ صفحا عن جرائمنا |
|
لقد أحاطت بنا يا ربّ بأساء |
نشكو إليك خطوبا لا نطيق لها |
|
حملا ونحن بها حقا أحقّاء (١) |
زلازلا تخشع الصّمّ الصّلاب لها |
|
وكيف تقوى على الزلزال شمّاء (٢) |
أقام سبعا يرجّ الأرض فانصدعت |
|
عن منظر منه عين الشمس عشواء |
بحر من النار تجري فوقه سفن |
|
من الهضاب لها في الأرض إرساء |
ترمي لها شررا كالقصر طائشة |
|
كأنها ديمة تنصبّ هطلاء |
تنشقّ منها بيوت الصخر إن زفرت |
|
رعبا ، وترعد مثل السعف أضواء |
منها تكاثف في الجو الدخان إلى |
|
أن عادت الشمس منه وهي دهماء |
قد أثرت سعفة في البدر لفحتها |
|
فليلة التم بعد النور عمياء |
تحدت النيرات السبع ألسنها |
|
بما تلاقي بها تحت الثرى الماء |
وقد أحاط لظاها بالبروج إلى |
|
أن صار يلفحها بالأرض أهواء |
فباسمك الأعظم المكنون إن عظمت |
|
منا الذنوب وساء القلب أسواء |
فاسمح وهب وتفضل بالرضى كرما |
|
وارحم فكلّ لفرط الجهل خطّاء |
فقوم يونس لما آمنوا كشف الت |
|
عذيب عنهم وعمّ القوم نعماء |
ونحن أمة هذا المصطفى ، ولنا |
|
منه إلى عفوك المرجو دعّاء |
هذا الرسول الذي لولاه ما سلكت |
|
محجة في سبيل الله بيضاء |
فارحم وصلّ على المختار ما خطبت |
|
على علا منبر الأوراق ورقاء |
مبدأ ظهور النار
قال المؤرخون : وكان ظهور هذه النار من صدر واد يقال له وادي الأحيليين وقال البدر بن فرحون : إنها سالت في وادي أحيليين ، وموضعها شرقي المدينة على طريق السوارقية مسيرة من الصبح إلى الظهر.
قال القطب القسطلاني : ظهرت في جهة المشرق على مرحلة متوسطة من المدينة في
__________________
(١) الحقيق : الحريص.
(٢) الشماء : المراد بها الجبال أو المكان المرتفع.