موضع يقال له قارع الهيلاء على قرب من مساكن قريظة شرقي قباء ، فهي بين قريظة وموضع يقال له أحيليين ، فثارت من هذا القاع ، ثم امتدت فيه آخذة في الشرق إلى قريب من أحيليين ، ثم عرجت واستقبلت الشام سائلة إلى أن وصلت إلى موضع يقال له قرين الأرنب بقرب من أحد ، فوقفت وانطفت وانصرفت ، انتهى.
من فوائد هذه النار
قال المؤرخون : واستمرت هذه النار مدة ظهورها تأكل الأحجار والجبال ، وتسيل سيلا ذريعا في واد يكون طوله مقدار أربعة فراسخ وعرضه أربعة أميال وعمقه قامة ونصف ، وهي تجري على وجه الأرض والصخر يذوب حتى يبقى مثل الآنك (١) ، فإذا خمد اسودّ بعد أن كان أحمر ، ولم يزل يجتمع من هذه الحجارة المذابة في آخر الوادي عند منتهى الحرة حتى قطعت في وسط وادي الشظاة إلى جهة جبل وعيرة ، فسدت الوادي المذكور بسد عظيم من الحجر المسبوك بالنار ولا كسد ذي القرنين ، يعجز عن وصفه الواصف ، ولا مسلك لإنسان فيه ولا دابة.
قلت : وهذا من فوائد إرسال هذه النار ؛ فإن تلك الجهة كثيرا ما يطرق منها المفسدون لكثرة الأعراب بها ؛ فصار السلوك إلى المدينة متعسّرا عليهم جدّا.
قال القسطلاني : أخبرني جمع ممن أركن إلى قولهم إن النار تركت على الأرض من الحجر ارتفاع رمح طويل على الأرض الأصلية.
قال المؤرّخون : وانقطع وادي الشظاة بسبب ذلك ، وصار السيل إذا سال ينحبس خلف السد المذكور حتى يصير بحرا مد البصر عرضا وطولا ، فانخرق من تحته في سنة تسعين وستمائة لتكاثر الماء من خلفه ، فجرى في الوادي المذكور سنتين كاملتين ، أما السنة الأولى فكان قد ملأ ما بين جانبي الوادي ، وأما الثانية فدون ذلك ، ثم انخرق مرة أخرى في العشر الأول بعد السبعمائة فجرى سنة كاملة أو أزيد ، ثم انخرق في سنة أربع وثلاثين وسبعمائة وكان ذلك بعد تواتر أمطار عظيمة في الحجاز ، فكثر الماء وعلا من جانبي السد ومن دونه مما يلي جبل وعيرة وتلك النواحي ، فجاء سيل طام لا يوصف ، ولو زاد مقدار ذراع في الارتفاع وصل إلى المدينة ، وكان أهل المدينة يقفون خارج باب البقيع على التل الذي هناك فيشاهدونه ويسمعون خريرا توجل القلوب دونه ، فسبحان القادر على ما يشاء!
__________________
(١) الآنك : الرصاص.