النذر الحادثة في عام النار والذي يليه
ومن العجائب أن في السنة التي ظهرت فيها هذه النار احترق المسجد الشريف النبوي بعد انطفائها كما سيأتي ، وزادت دجلة زيادة عظيمة فغرق أكثر بغداد وتهدمت دار الوزير ، وكان ذلك إنذارا لهم ، وليتهم اتعظوا.
ثم في أول السنة التي تلي هذه السنة وقعت الطامة الكبرى ، وهي أخذ التتار لبغداد وقتل الخليفة المستعصم وبعده المسلمون ، وبذل السيف ببغداد نيفا وثلاثين يوما ، وأخرجت الكتب فألقيت تحت أرجل الدواب ، وشوهد بالمدرسة المستنصرية معالف الدواب مبنية بالكتب موضع اللبن (١) ، وخلت بغداد من أهلها ، واستولى عليها الحريق على ما ذكره سعيد الذهلي ، واحترقت دار الخلافة ، وعم الحريق أكثر الأماكن حتى القصور البرانية وترب الرصافة مدفن ولاة الخلافة ، وشوهد على بعض حيطان منها مكتوب :
إن ترد عبرة فهذا بنو |
|
العباس دارت عليهم الدائرات |
استبيح الحريم إذ قتل الأحي |
|
اء منهم وأحرق الأموات |
ثم كثر الموت والفناء ببغداد ، وطوى بساط الخلافة منها من ذلك الزمان ، فلله الخلق والأمر!
وقد نظم بعضهم خروج هذه النار وغرق بغداد ، وأصلحه أبو شامة منبها على أن الأمرين في سنة بقوله :
سبحان من أصبحت مشيئته |
|
جارية في الورى بمقدار |
في سنة أغرق العراق ، وقد |
|
أحرق أرض الحجاز بالنار |
بعض ما يناسب هذه النار
قال المجد : ومما يناسب هذه النار ويضاهيها ما حكاه ابن جبير أنه رأى من أخبره أن في بحر رومية جزيرتين يخرج منهما النار دائما ، قال : وأبصرنا الدخان صاعدا منهما ، وتظهر بالليل نار حمراء ذات ألسن تصعد في الجو ، قال : وأعلمنا أن خروجها من جبلين يصعد منهما نفس ناري شديد ، وربما قذف فيها الحجر فتلقى به مسودا إلى الهواء بقوة ذلك النفس ، وتمنعه من الانتهاء إلى القعر ، قال : وأما الجبل الشامخ الذي بالجزيرة المعروف بجبل النار فشأنه أيضا عجيب ، وذلك أن نارا تخرج منه في بعض السنين كالسيل
__________________
(١) اللّبن : المضروب من الطين النيئ يا بنى به دون أن يطبخ.