وكانت العماليق ممن انبسط في البلاد ، فأخذوا ما بين البحرين وعمان والحجاز كله إلى الشام ومصر ، وجبابرة الشام وفراعنة مصر منهم ، وكان منهم بالبحرين وعمان أمة يسمون جاسم ، وكان ساكن المدينة منهم بنو هف وبنو مطرويل ، وكان ملكهم بالحجاز الأرقم بن أبي الأرقم.
وأسند ابن زبالة عن زيد بن أسلم أن ضبعا رؤيت وأولادها رابضة في حجاج عين رجل من العماليق ـ والحجاج ، بكسر أوله وفتحه : العظم الذي ينبت عليه الحاجب ـ قال زيد بن أسلم : وكان تمضي أربعمائة سنة وما يسمع بجنازة.
قوم من اليهود ينزلون المدينة
وأسند رزين عن أبي المنذر الشرقي قال : سمعت حديث تأسيس المدينة من سليمان بن عبيد الله بن حنظلة الغسيل ، قال : وسمعت أيضا بعض ذلك من رجل من قريش عن أبي عبيدة بن عبد الله بن عمار بن ياسر ، قال : فجمعت حديثهما لكثرة اتفاقه وقلة اختلافه ، قالا : بلغنا أنه لما حج موسى صلوات الله عليه حج معه أناس من بني إسرائيل ، فلما كان في انصرافهم أتوا على المدينة ، فرأوا موضعها صفة بلد نبي يجدون وصفه في التوراة بأنه خاتم النبيّين ، فاشتورت طائفة منهم على أن يتخلفوا به ، فنزلوا في موضع بني قينقاع ، ثم تألفت إليهم أناس من العرب فرجعوا على دينهم ، فكانوا أول من سكن موضع المدينة.
وذكر بعض أهل التواريخ أن قوما من العمالقة سكنوه قبلهم ، قلت : وهو الأرجح.
داود النبي يغزو سكان المدينة
وأسند ابن زبالة مصدّرا به كتابة في بدء من سكنها عن مشيخة من أهل المدينة قالوا : كان ساكن المدينة في سالف الزمان صعل وفالج ، فغزاهم داود النبي عليه الصلاة والسلام ، وأخذ منهم مائة ألف عذراء ، قالوا : وسلط الله عليهم الدود في أعناقهم فهلكوا ، فقبورهم هذه التي في السهل والجبل ، وهي التي بناحية الجرف ، وبقيت امرأة منهم تعرف بزهرة ، وكانت تسكن بها ، فاكترت من رجل وأرادت الخروج إلى بعض تلك البلاد ، فلما دنت لتركب غشيها الدود ، فقيل لها : إنا لنرى دودا يغشاك ، فقالت : بهذا هلك قومي ، ثم قالت : ربّ جسد مصون ، ومال مدفون ، بين زهرة ورانون ، قالوا : وقتلها الدود.