قلت : وداود بعد موسى عليهماالسلام ، وكان يدعو إلى شريعته.
وقد عبّر ابن النجار عما سبق بقوله : قال أهل السير : أول من نزل المدينة بعد غرق قوم نوح قوم يقال لهم صعل وفالج ، وذكر قصة داود ملخصة ، ثم قال : قالوا : وكان قوم من الأمم يقال لهم : بنو هف وبنو مطر وبنو الأزرق فيما بين مخيض إلى غراب الضائلة إلى القصاصين إلى طرف أحد ؛ فتلك آثارهم هنالك.
وروى ابن زبالة عند ذكر جماء أم خالد بوادي العقيق عن عثمان بن عبد الرحمن قال : وجد قبر في الجماء عليه حجر مكتوب فيه فهبط بالحجر فقرأه رجل من أهل اليمن ، فإذا فيه : أنا عبد الله رسول رسول الله صلىاللهعليهوسلم سليمان بن داود إلى أهل يثرب ، وأنا يومئذ على الشمال.
وروى أيضا عن عمر بن سليم الزرقي قال : رقينا الجماء فوجدنا قبرا إرميا على رأسها عنده حجران مكتوبان لا تقرأ كتابتهما ، فحملناهما ، فثقل علينا أحدهما فرميناه في الجماء ، وأخذت الآخر ، فكان عندي ، فعرضته على أهل التوراة من يهود فلم يعرفوه ، ثم عرضته على أهل الإنجيل من النصارى فلم يعرفوه ، فأقام عندي حتى دخل المدينة رجلان من أهل ماه ، فسألتهما : هل كان لكم كتاب؟ قالا : نعم ، فأخرجت إليهما الحجر ، فقرآه فإذا فيه : أنا عبد الله الأسود رسول رسول الله عيسى بن مريم إلى أهل قرى عرينة ، وقالا : نحن كنا أهل هذه القرية في أس (١) الدهر ، وسيأتي بقية ما جاء في ذلك في رابع فصول الباب السابع.
مهلك العماليق بالحجاز
وأسند ابن زبالة أيضا عن عروة بن الزبير قال : كانت العماليق قد انتشروا في البلاد ، فسكنوا مكة والمدينة والحجاز كله ، وعتوا عتوّا كبيرا ، فلما أظهر الله موسى عليهالسلام على فرعون وطئ الشام وأهلك من بها ، يعني من الكنعانيين وقيل : بعث إليهم بعثا ، فأهلك من كان بها منهم ، ثم بعث بعثا آخر إلى الحجاز للعماليق ، وأمرهم أن لا يستبقوا أحدا منهم بلغ الحلم ، فقدموا عليهم ، فأظهرهم الله فقتلوهم ، حتى انتهوا إلى ملكهم الأرقم بن أبي الأرقم فقتلوه ، وأصابوا ابنا له ـ وكان شابا من أحسن الناس ـ فضنوا به عن القتل ، وقالوا : نستحييه حتى نقدم به على نبي الله موسى عليهالسلام فيرى فيه رأيه ، فأقبلوا وهو معهم ، فقبض الله موسى قبل قدوم الجيش ، فلما سمع بهم الناس تلقوهم فسألوهم فأخبروهم بالفتح ، وقالوا : لم نستبق منهم إلا هذا الفتى ، فإنا لم نر شابا أحسن
__________________
(١) الأس : الأساس. و ـ من الدهر : قدمه.