الحارث بن زيد بن حبيب في بني بياضة ، فلبثت بنو المعلى بن لوذان في بني زريق ما شاء الله.
ثم إن عبيد بن المعلى قتل حصن بن خالد الزرقي ، فأراد بنو زريق أن يقتلوه ، ثم بدا لهم أن يدوا حصن بن خالد من أموالهم عن عبيد على أن يحالفهم بنو المعلى ، ويقطعون حلفهم مع بني بياضة ، ففعلوا ، وكان عامر بن زريق بن عبد حارثة والد زريق وبياضة لما حضرته الوفاة أوصى ابنه بياضة بالصبر في الحروب وشدة البأس ، وأوصاه بأخيه زريق وكان أصغرهما ، فقال بعض شعرائهم في ذلك :
بالصّبر أوصى عامر بياضه
ويقال للأوس والخزرج : أبطأهم فرة وأرعهم كرة بنو بياضة وبنو زريق وبنو ظفر ، وإن الأوس والخزرج لم يلتقوا في موطن قط إلا كان لهذه القبائل فضل بيّن على غيرهم من بطون الأوس والخزرج.
وأما بنو عذارة بن مالك بن غضب بن جشم فكانوا أقل بطون بني مالك بن غضب عددا ، وكانوا قوما ذوي شراسة وشدة أنفس ، فقتلوا قتيلا من بعض بطون بني مالك بن غضب إما من بني اللين أو بني أجدع ، وأبى أهل القتيل الدية ، وذهبوا إلى بني بياضة ليعينوهم على بني عذارة حتى يعطوهم القاتل ، فكلمات بنو بياضة بني عذارة في ذلك ، فأبوا أن يخلوا بينهم وبينه ، فأرادت بنو بياضة أن يأخذوه عنوة (١) ، فخرجوا من دار بني بياضة حتى نزلوا قباء على بني عمرو بن عوف فحالفوهم وصاهروهم ، وامتنعوا من بني بياضة ، ثم إنه دخل بين بني عذارة وبين بني عمرو بن عوف قبيل الإسلام أمر ، فأجمعوا أن ينتقلوا من عندهم إلى بني زريق ، وكرهوا أن يرجعوا إلى بني بياضة ، فجاؤوهم وذكروا لهم ذلك ، فلقوهم بما يحبون ، وسددوا رأيهم (٢) ، وأتوا أبا عبيدة سعيد بن عثمان الزرقي فذكروا له ذلك ، فرحب بهم وذكر شرفهم وفضلهم ، ثم قال : إني أشير عليكم أن ترجعوا إلى أخوالكم ـ يعني : بني عمرو بن عوف ـ ولا تنتقلوا إلى بني زريق ، فإن في أخلاقكم شراسة وفي أخلاق بني زريق مثلها ، فتفرقوا عن رأيه ، فلم يزالوا كذلك إلى أن فرض المهدي للأنصار سنة ستين ومائة ، فانتقلوا بديوانهم إلى بني بياضة ، وكان بطنان من بطون بني مالك بن غضب ممن كان بدار بني بياضة ـ لا ندري أهم من الليلن أم من أجدع ـ كان
__________________
(١) عنوة : قسرا.
(٢) سدد رأيه : أصاب في قوله وفعله.