حنيفة ، قال : ولم يكن أحد من العرب أقبح ردا عليه منهم ، وقال موسى بن عقبة عن الزهري : فكان في تلك السنين ـ أي التي قبل الهجرة ـ يعرض نفسه على القبائل ، ويكلم كل شريف قوم ، لا يسألهم إلا أن يؤووه ويمنعوه ، ويقول : لا أكره أحدا منكم على شيء ، بل أريد أن تمنعوا من يؤذيني حتى أبلغ رسالة ربي ، فلا يقبله أحد.
وذكر الواقدي دعاءه صلىاللهعليهوسلم بني عبس إلى الإسلام ، وأنه أتى غسان في منازلهم بعكاظ وبني محارب كذلك ، ولم يزل صلىاللهعليهوسلم يدعو إلى دين الله ، ويأمر به كل من لقيه ورآه من العرب ، إلى أن قدم سويد بن الصامت أخو بني عمرو بن عوف من الأوس ، وكان يسمى «الكامل» لجلده وشعره ، وهو القائل :
فرشني بخير طالما قد بريتي |
|
فخير الموالي من يريش ولا يبري |
فدعاه رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى الإسلام ، فلم يبعد ولم يجب ، ثم انصرف إلى يثرب ، فلم يلبث أن قتل يوم بعاث.
قال ابن إسحاق : فإن كان رجال من قومه ليقولون : إنا نراه قد قتل وهو مسلم ، وقدم مكة أبو الحيسر أنس بن رافع وهو في فتية من قومه بني عبد الأشهل يطالبون الحلف ، فدعاهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى الإسلام ، فقال رجل منهم اسمه إياس بن معاذ وكان شابا : هذا والله خير مما قدمنا ، فضربه أبو الحيسر وانتهره ، فسكت ، ثم لم يتم لهم الحلف ، فانصرفوا إلى بلادهم ، ومات إياس بن معاذ فقيل : إنه مات مسلما.
وقال رزين في ذكر هذه القصة : ثم جاءت الأوس تطلب أن تحالف قريشا ، فجاءهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعرض نفسه عليهم ، وقال : اسمعوا مني ، هل لكم في خير مما جئتم له؟ وتلا عليهم القرآن ، ثم قال : بايعوني واتبعوني ، فإنكم ستجمعون بي ، فقال عمرو بن الجموح : هذا أي قوم والله خير لكم مما جئتم له ، فانتهروه ، وقالوا : ما جئنا لهذا ، ولم يقبلوا عليه ، ثم انصرفوا ، فكانت وقعة بعاث.
وقال ابن زبالة : إنه صلىاللهعليهوسلم كان يعرض نفسه على القبائل فيأبونه ، حتى سمع بنفر من الأوس قدموا في المنافرة التي كانت بينهم ، فأتاهم في رحالهم ، فقالوا : من أنت؟ فانتسب لهم ، وأخبرهم خبره ، وقرأ عليهم القرآن ، وذكر أنهم أخواله ، وسألهم أن يؤووه ويمنعوه حتى يبلغ رسالات ربه ، فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا : والله هذا صادق ، وإنه للنبي الذي يذكر أهل الكتاب ويستفتحون به عليكم ، فاغتنموه وآمنوا به ، فقالوا : أنت رسول الله ، قد عرفناك وآمنا بك وصدقناك ، فمرنا بأمرك فإنا لن نعصيك ، فسر بذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم وجعل يختلف إليهم ، ويزدادون فيه بصيرة ، ثم أمرهم صلىاللهعليهوسلم أن يدعوا قومهم إلى دينهم ،