فسألوه أن يرتحل معهم ، فقال : حتى يأذن لي ربي ، فلحقوا بأهلهم المدينة ، ثم شخصوا إليه في الموسم فكان من أمر العقبة ما كان ، وهو مخالف لما تقدم من أن النفر من الأوس لم يقبلوا.
وقد أخرج الحاكم وغيره بإسناد حسن عن علي رضياللهعنه قال : لما أمر الله نبيه أن يعرض نفسه على قبائل العرب وخرج وأنا معه وأبو بكر إلى منى حتى دفعنا إلى مجلس من مجالس العرب ، وتقدم أبو بكر وكان نسابة ، فقال : من القوم؟ قالوا : ربيعة ، فذكر حديثا طويلا في مراجعتهم وتوقفهم أخيرا عن الإجابة ، ثم قال : ثم دفعنا إلى مجلس الأوس والخزرج ، وهم الذين سماهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم الأنصار ، لكونهم أجابوه إلى إيوائه ونصره ، قال : فما نهضنا حتى بايعوا النبي صلىاللهعليهوسلم.
وقال ابن إسحاق في ذكر العقبة الأولى : لما أراد الله عزوجل إظهار دينه خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الموسم الذي لقي فيه النفر من الأنصار ، فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم ، فبينا هو عند العقبة لقي رهطا من الخزرج ، قال : أمن موالي (١) يهود؟ قالوا : نعم ، قال : أفلا تجلسون أكلمكم؟ قالوا : بلى ، فجلسوا معه فدعاهم إلى الله ، وعرض عليهم الإسلام ، وكان مما صنع الله لهم في الإسلام أن يهود كانوا معهم في بلادهم ، وكانوا أهل علم وكتاب ، وكانوا هم أهل شرك أصحاب أوثان ، وكانوا قد غزوهم في بلادهم ، فكانوا إذا كان بينهم شيء قالوا لهم : إن نبيا مبعوث قد أظل زمانه نتبعه نقتلكم معه قتل عاد وإرم ، فلما كلم رسول الله صلىاللهعليهوسلم أولئك النفر ودعاهم إلى الله قال بعضهم لبعض : تعلموا إنه للنبي الذي توعدكم به يهود ، فلا تسبقنكم إليه ، فأجابوه فيما دعاهم إليه ، وقالوا له : إنا تركنا قومنا ، ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم ، فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك ، ثم انصرفوا راجعين إلى بلادهم ليدعوا قومهم ، فلما جاءوهم لم يبق دار من دور قومهم إلا وفيها ذكر رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : وهم ـ يعني أصحاب العقبة الأولى ـ فيما ذكر لي ستة نفر من الخزرج ، وهم : أبو أمامة أسعد بن زرارة ، وعوف بن الحارث ، كلاهما من بني غنم بن مالك بن النجار ، ورافع بن مالك بن العجلان الزرقي ، وقطبة بن عامر بن حديدة ، وجابر بن عبد الله بن رئاب ، وعقبة بن عامر بن نابي ، وهؤلاء الثلاثة من بني سلمة.
وقال موسى بن عقبة عن الزهري وأبي الأسود عن عروة : هم أسعد بن زرارة ، ومعاذ بن عفراء وهي أمه ، وهو ابن عمرو بن الجموح من بني غنم بن مالك بن النجار أيضا ، ورافع بن مالك ، ويزيد بن ثعلبة البلوي ، ثم من بني غصينة حليفهم ، وأبو الهيثم
__________________
(١) الموالي : المناصرين (ج) مولى.