ونحن في سنة (١) ، فنظر إلى شاة قد نحلت عجفاء من الهزال ، فقال : قرّبي لي هذه الشاة ، فقربتها ، فمسح ضرعها بيده المباركة وسمّى ودعا ، ثم قال : هات قدحا ، فجاءت بقدح ، فحلب فيه حتى امتلأ ، فأمر أبا بكر أن يشرب ، فقال : بل أنت فاشرب يا رسول الله ، قال : ساقي القوم آخرهم شربا ، فشرب أبو بكر ، ثم حلب فشرب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم حلب فشربت أم معبد ، ثم حلب فقال : ارفعي هذا لأبي معبد إذا جاءك ، ثم ركبوا وساروا ، فلما أتى أبو معبد أخبرته بما رأت ، وسقته اللبن ، فعلم أنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فركب راحلته وخرج في أثره يطلب أن يسلم ، فقيل : إنه قال في طريقه :
جزى الله ربّ الناس خير جزائه |
|
رفيقين قالا خيمتي أم معبد |
هما نزلاها بالهدى فاهتدت به |
|
فقد فاز من أمسى رفيق محمد |
فيا لقصيّ ما زوى الله عنكم |
|
به من فعال لا تجارى وسودد |
ليهن بني كعب مكان فتاتهم |
|
ومقعدها للمؤمنين بمرصد |
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها |
|
فإنكم إن تسألوا الشّاة تشهد |
دعاها بشاة حائل فتحلّبت |
|
له بصريح ضرة الشاة مزبد |
فغادرها رهنا لديها لحالب |
|
يرددها في مصدر ثم مورد |
وقال الشرقي : بلغني أن أبا معبد أدركهما ببطن ريم ، فبايع رسول الله صلىاللهعليهوسلم وانصرف.
قلت : وذكر غير رزين هذه الأبيات كلها فيما سمع بأسفل مكة من القائل الذي لا يدرون ، فلما سمع حسان بن ثابت شاعر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بذلك جعل يجاوب الهاتف ويقول:
لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم |
|
وقدّس من يسري إليهم ويغتدي |
ترحّل عن قوم فضلت عقولهم |
|
وحلّ على قوم بنور مجدّد |
هداهم به بعد الضلالة ربّهم |
|
وأرشدهم ؛ من يتبع الحق يرشد |
وهل يستوي ضلّال قوم تسكعوا |
|
عمى وهداة يهتدون بمهتد (٢) |
لقد نزلت منه على أهل يثرب |
|
ركاب هدى رحّلت عليهم بأسعد |
نبي يرى ما لا يرى الناس حوله |
|
ويتلو كتاب الله في كل مسجد |
وإن قال في يوم مقالة غائب |
|
فتصديقها في اليوم أو في ضحى غد |
ليهن أبا بكر سعادة جدّه |
|
بصحبته ؛ من يسعد الله يسعد |
__________________
(١) السنة : القحط والجدب.
(٢) تسكع : لم يهتد لوجهته.