وفعل ذلك احتسابا وترغيبا في الخير ؛ ليعمل الناس كلهم ، ولا يرغب أحد بنفسه عن نفس رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولهذا أسند ابن زبالة عن مجمع بن يزيد أنه قال عقب ذلك : وعملوا فيه ودأبوا ، فقال قائل من المسلمين :
لئن قعدنا والنّبيّ يعمل |
|
ذاك إذا للعمل المضلّل |
وأسند أيضا أن علي بن أبي طالب كان يرتجز وهو يعمل فيه يقول :
لا يستوي من يعمر المساجدا |
|
يدأب فيها قائما وقاعدا |
ومن يرى عن الغبار حائدا |
وأسند هو أيضا ويحيى من طريقه والمجد ، ولم يخرجه ، عن أم سلمة رضياللهعنها قالت : بنى رسول الله صلىاللهعليهوسلم مسجده ، فقرب اللبن وما يحتاجون إليه ، فقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم فوضع رداءه ، فلما رأى ذلك المهاجرون الأولون والأنصار ألقوا أرديتهم وأكسيتهم ، وجعلوا يرتجزون ويعملون ويقولون :
لئن قعدنا والنبيّ يعمل
البيت.
وكان عثمان بن عفان رضياللهعنه رجلا نظيفا متنظفا ، وكان يحمل اللبنة فيجافي بها عن ثوبه ، فإذا وضعها نفض كمه ، ونظر إلى ثوبه ، فإن أصابه شيء من التراب نفضه ، فنظر إليه علي بن أبي طالب فأنشأ يقول :
لا يستوي من يعمر المساجدا
الأبيات المتقدمة.
فسمعها عمار بن ياسر ، فجعل يرتجز بها وهو لا يدري من يعني بها ، فمر بعثمان فقال : يا ابن سمية ، ما أعرفني بمن تعرض ، ومعه جريدة فقال : لتكفن أو لأعترضن بها وجهك ، فسمعه النبي صلىاللهعليهوسلم وهو جالس في ظل بيتي ، يعني أم سلمة ، وفي كتاب يحيى «في ظل بيته» ـ فغضب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم قال : إن عمار بن ياسر جلدة ما بين عيني وأنفي ، فإذا بلغ ذلك من المرء فقد بلغ ، ووضع يده بين عينيه ، فكف الناس عن ذلك ، ثم قالوا لعمار : إن النبي صلىاللهعليهوسلم قد غضب فيك ، ونخاف أن ينزل فينا القرآن ، فقال : أنا أرضيه كما غضب ، فقال : يا رسول الله مالي ولأصحابك؟ قال : مالك وما لهم؟ قال : يريدون قتلي ، يحملون لبنة لبنة ويحملون علي اللبنتين والثلاث ، فأخذ بيده فطاف به في المسجد ، وجعل يمسح وفرته (١) بيده من التراب ويقول : يا ابن سمية لا يقتلك أصحابي ، ولكن تقتلك الفئة الباغية.
__________________
(١) الوفرة : الشعر المجتمع على الرأس ، أو ما جاوز شحمة الأذن.