الخارج من درب البقيع إذا مشى في البقيع لجهة مشهد سيدنا عثمان بن عفان رضياللهعنه وصار مشهد سيدنا إبراهيم بن رسول الله صلىاللهعليهوسلم على يمينه يكون على يساره طريق تمر بطرف الكومة ، فإذا سلكها انتهى بعد رأس العطفة التي على يمينه إلى حديقة تعرف قديما بأولاد الصيفي بها بئر ينزل إليها بدرج تعرف ببئر أيوب قديما وحديثا ، وعن يسار الخارج من درب البقيع أيضا إذا سلك طريق سيدنا حمزة في شامي الحديقة المعروفة بالرومية حديقة تعرف بالرباطية وقف رباط اليمنة بها بئر. قال المراغي : تعرف ببئر أيوب أيضا ، يتبرك بها الناس ، وهي بالقرب من الحديقة المعروفة بدار فحل ، وهي عن يسار بقيع الغرقد أيضا ، قال الزين المراغي : ولعلها أقرب إلى المراد.
قلت : والذي يظهر أن الأولى هي المراد ، لما سنبينه في الآبار.
وفي كتاب رزين ما لفظه : عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : كان بناء مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالسميط لبنة على لبنة ، ثم بالسعيدة لبنة ونصف أخرى ، ثم كثروا فقالوا : يا رسول الله لو زيد فيه ، فبنى بالذكر والأنثى ، وهي لبنتان مختلفتان ، وكانوا رفعوا أساسه قريبا من ثلاثة أذرع بالحجارة ، وجعلوا طوله مما يلي القبلة إلى مؤخرة مائة ذراع ، وكذا في العرض ، وكان مربعا ، وفي رواية جعفر : ولم يسطح ، فشكوا الحر فجعلوا خشبه وسواريه جذوعا ، وظللوا بالجريد ثم بالخصف ، فلما وكف (١) عليهم طينوه بالطين ، وجعلوا وسطه رحبة ، وكان جداره قبل أن يظلل قامة وشيئا ، انتهى. والظاهر أنه ليس جميعه من كلام جعفر ؛ بدليل قوله في الأثناء «وفي رواية جعفر».
وقد ذكر ابن زبالة ويحيى من غير طريقه كلام جعفر متمحضا فأسندا عنه أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان بناء مسجده بالسميط لبنة لبنة ، ثم إن المسلمين كثروا فبناه بالسعيدة ، فقالوا : يا رسول الله لو أمرت من يزيد فيه ، فقال : نعم ، فأمر به فزيد فيه ، وبنى جداره بالأنثى والذكر ، ثم اشتد عليهم الحر فقالوا : يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فظلل ، قال : نعم ، فأمر به فأقيمت فيه سواري من جذوع النخل ، ثم طرحت عليها العوارض (٢) والخصف والإذخر (٣) ، فعاشوا فيه ، وأصابتهم الأمطار ، فجعل المسجد يكف عليهم ، فقالوا : يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فطيّن ، فقال : لا ، عريش كعريش موسى ، فلم يزل كذلك
__________________
(١) وكف سطح البيت : قطر بالماء.
(٢) العوارض : قطع الخشب. الخصف : جلة تعمل من الخوص ليحفظ فيها التمر.
(٣) الإذخر : حشيشة تسقف بها البيوت فوق الخشب ولها رائحة طيبة.