إلى آخره» فهذه الأسطوانة المشار إليها ـ أعني التي كان النبي صلىاللهعليهوسلم يصلي إليها ـ هي التي عن يمين الواقف في المصلى الشريف من جهة القبلة ، وعلم أن وضع الصندوق هناك كان من الزمن القديم ، لكنه كان صندوق مصحف كما سيأتي ، ووصفها بالمخلقة لا يشكل عليك بما اشتهر من وصف أسطوانة المهاجرين ـ وهي أسطوانة عائشة ـ بالمخلقة ، فالوصف بالمخلقة يطلق على أساطين متعددة كما سنوضحه ، ولهذا اشتمل هذا الكلام على وصف كل من هاتين الأسطوانتين بهذا الوصف.
ونقل المرجاني أن في العتبية ما لفظه : أحب مواضع التنفل في مسجد رسول الله مصلاه حيث العمود المخلق ، انتهى.
وقال ابن القاسم : أحب مواضع الصلاة في مسجده صلىاللهعليهوسلم في النفل العمود المخلق ، وفي الفرض في الصف الأول ، قال ابن رشد : في كون العمود المخلق كان قبلة النبي صلىاللهعليهوسلم أو أقرب إلى قبلته صلىاللهعليهوسلم قول ابن القاسم وسماعه.
قلت : وهو دال على أن العمود المخلق هو الذي عند المصلى الشريف ، ولهذا روى ابن وهب عن مالك أنه سئل عن مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقيل له : أي المواضع أحب إليك الصلاة فيه؟ قال : أما النافلة فموضع مصلاه ، وأما المكتوبة فأول الصفوف ، انتهى. فعبر هنا عن العمود المخلق بمصلاه. ورأيت في جامع العتبية من البيان لابن رشد ما لفظه : قال مالك : ليس العمود المخلق قبلة النبي صلىاللهعليهوسلم وقبلة النبي صلىاللهعليهوسلم هو حذو قبلة الإمام ، وإنما قدمت القبلة حذو قبلة النبي صلىاللهعليهوسلم سواء.
قال ابن رشد عقبه : وقد مر في كتاب الصلاة عن ابن القاسم أن مصلى النبي صلىاللهعليهوسلم هو العمود المخلق ، خلاف قول مالك هنا ، انتهى. وقول مالك : «وإنما قدمت القبلة» يشير به إلى المحراب الذي في جدار القبلة بزيادة عثمان رضياللهعنه ، وهذا الذي ذكره يكاد أن يكون قطعيا ، وليس مراد ابن القاسم إلا أن العمود المخلق أقرب شيء إلى قبلة النبي صلىاللهعليهوسلم فيعرف به ، ولهذا نقل ابن النجار عن مالك ما يقتضى أن الأسطوانة المذكورة علم لمصلّى النبي صلىاللهعليهوسلم ؛ فإنه قال : قال مالك بن أنس : أرسل الحجاج بن يوسف إلى أمهات القرى بمصاحف ، فأرسل إلى المدينة بمصحف منها كبير ، وكان في صندوق عن يمين الأسطوانة التي عملت علما لمقام النبيصلىاللهعليهوسلم.
وقال ابن زبالة فيما سيأتي عنه : إن الخيزران لما أمرت بأن تخلق المسجد أشار عليهم إبراهيم بن الفضل فزادوا في خلوق أسطوانة التوبة والأسطوان التي هي علم عند مصلى النبي صلىاللهعليهوسلم فخلقوهما حتى بلغوا بهما أسفلهما ، وزادوا في الخلوق في أعلاهما ، انتهى. وقد توهم جماعة أن المراد من كلام ابن القاسم ، وما نقل عن مالك ، الأسطوانة