المعروفة اليوم بالمخلقة ، وهي التي بأوسط الروضة ، وهو مردود ؛ لأن الأسطوانة المذكورة ليست علما على مصلى الرسول عليهالسلام اتفاقا ، ومنشأ الوهم ظنهم اختصاصها بوصف المخلقة ، وممن اعتقد ذلك الحافظ ابن حجر فقال في الكلام على قول يزيد بن عبيد : «كنت آتي مع سلمة بن الأكوع فيصلي عند الأسطوانة التي عند المصحف» ما لفظه : هذا دال على أنه كان للمصحف موضع خاص به ، ووقع عند مسلم بلفظ : يصلي وراء الصندوق ، وكأنه كان للمصحف صندوق يوضع فيه ، قال : والأسطوانة المذكورة حقق لنا بعض مشايخنا أنها المتوسطة في الروضة ، وأنها تعرف بأسطوانة المهاجرين ، وأسرت بها عائشة لابن الزبير ، ثم وجدت ذلك في تاريخ المدينة لابن النجار ، وذكره قبله محمد بن الحسن في أخبار المدينة ، هذا كلام الحافظ ابن حجر ، ومراده بمحمد بن الحسن ابن زبالة ، وليس في كلامه ولا في كلام ابن النجار ما يقتضي أن الأسطوانة التي عند الصندوق هي أسطوانة المهاجرين ، إلا من حيث وصف كل منهما بالمخلقة ، فتوهم اتحادهما ، وليس كذلك ، والله أعلم.
محراب المسجد النبوي ، ومتى صنع؟
وسيأتي أن المسجد الشريف لم يكن له محراب في عهده صلىاللهعليهوسلم ولا في عهد الخلفاء بعده ، وأن أول من أحدثه عمر بن عبد العزيز في عمارة الوليد ، وزعم الأقشهري في روضته أن مصلى النبي صلىاللهعليهوسلم في موضع الصندوق ، وفي موضعه اليوم المحراب المرخم المرتفع عن المصلى الشريف وبنائه ، فإنه قال ومن خطه نقلت : إنه قيل : إن منبر النبي صلىاللهعليهوسلم لم يتغير تقديما ولا تأخيرا ؛ فالزيادة وقعت في المنبر شماليا لا غير ، وحد المنبر الأصلي اليوم مساوية مع مصلى الإمام ، ومصلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم أمامه في موضع الصندوق اليوم فهو خارج عن حد المنبر ، انتهى. واستنتج من ذلك أن يكون ما حاذى الصندوق يمنة ويسرة ، قال : وهو مما زاده عمر روضة من رياض الجنة ، قال : لأن المصلى الشريف روضة بلا شك ، أي فما حاذاه كذلك ، وهو عجيب لم أر من سبقه إليه ، وما زعمه من أن حد المنبر ـ يعني من القبلة ـ مساو لمصلى الإمام اليوم ، يريد به أن نهاية مصلى الإمام اليوم مساوية لنهاية المنبر من جهة القبلة ، فإنه صور ذلك بخطه كما ذكرناه ، وكأنه توهم أن مصلاه صلىاللهعليهوسلم كان في محراب بارز عن سمت المسجد ؛ لأنه جعل ما عن يمينه ويساره من زيادة عمر رضياللهعنه ، ولم يقل به أحد ، مع أن ما زعمه من الاستواء لا يشهد له عقل ولا نقل ؛ لأن المنبر الذي كان في زمنه هو المنبر الذي كان في زمن المطري ، فإنهما متعاصران ، وقد سبق عن المطري في الفصل قبله أن بين المنبر والدرابزين الذي في القبلة مقدار أربع أذرع وربع ، وأنه اتضح لنا صحة ما قاله ، وذلك هو محل المنبر النبوي كما