سنوضحه ، وعرض الصندوق المذكور وما بعده إلى الدرابزين المذكور ذراعان ونصف راجح ، والمنبر الذي أدركناه أولا لم يكن بينه وبين الدرابزين القبلي سوى ثلاثة أذرع ونصف راجحة ، ومع ذلك فحد المنبر متأخر عن حد مصلى الإمام من جهة القبلة بنحو الذراع ، وعلى ما ذكره المطري ـ وهو الصواب ـ يكون متأخرا بأزيد من ذلك ، وذلك فيما يظهر هو القدر الوارد فيما كان بين المنبر والجدار القبلي ، وأوضح من ذلك في الرد عليه أن يحيى نقل في كتابه عن محمد بن يحيى صاحب مالك قال : وجدنا ذرع ما بين مسجد النبي صلىاللهعليهوسلم الذي كان بعهده إلى جدار القبلة اليوم الذي فيه المحراب عشرين ذراعا وربعا ، وهذه هي الزيادة التي زيدت بعد النبي صلىاللهعليهوسلم انتهى.
قال المراغي : وقد اعتبرته من وجه سترة مصلى النبي صلىاللهعليهوسلم إلى جدار القبلة فكان كذلك ، وبه يظهر أن المصلى الشريف لم يغير عن مكانه ، وأن الصندوق إنما جعل في مكان الجدار الأول ، انتهى.
وقد اعتبرت ما ذكره من جدار المسجد القبلي إلى طرف المصلى الشريف المحاذي لطرف صندوق السترة ، فكان ذلك إحدى وعشرين ذراعا ونصف وربع يرجح قيراطا ، فإذا أسقط من ذلك عرض الجدار ـ وهو ذراع ونصف راجح ـ كان الباقي عشرين ذراعا وربعا كما ذكره يحيى ، وقد علمت أن الصندوق المذكور له أصل قديم هناك ، فكيف يكون في موضع المصلى الشريف ولا ينبه عليه أحد؟ بل يذكرون ما يدل على خلافه ، بل كيف يمكنون من ذلك ، ويحرمون المسلمين التيمن بمكانه؟ هذا مما يكاد العقل يحيله.
وقال النووي في مناسكه ما لفظه : وفي إحياء علوم الدين أنه ـ أي : المصلى ـ يجعل عود المنبر حذاء منكبه الأيمن ، ويستقبل السارية التي إلى جانبها الصندوق ، وتكون الدائرة التي في قبلة المسجد بين عينيه ، فذلك موقف رسول الله صلىاللهعليهوسلم انتهى.
قلت : وكأن المراد من استقبال السارية المذكورة جعلها عن جهة اليمين كما عليه وضع المصلى اليوم. وقد ذكر ابن زبالة هذه الأسطوانة ثم قال : حدثني إبراهيم بن محمد عن غير واحد منهم خارجة بن عبد الله بن كعب بن مالك قال : إذا عدلت عنها ـ أي عن الأسطوانة المذكورة ـ قليلا وجعلت الجزعة التي في المقام بين عينيك والرمانة التي في المنبر إلى شحمة أذنك قمت في مقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكأن الرمانة المذكورة كانت في أعلى عمود المنبر النبوي ، ولذا عبر به في الإحياء.
وسيأتي أنه لما حفر بعد الحريق الثاني لتأسيس المنبر الرخام وجدوا محل المنبر الأصلي شبه حوض من حجر ، وفي جانبيه من المشرق والمغرب فرضتان منقورتان في الحجر بهما شيء من الرصاص بحيث لا يخفى على من أحاط علما بصفة المنبر النبوي