وروى ابن زبالة عن عمرو بن مسلم قال : كان النبي صلىاللهعليهوسلم حين أسن قد جعل له العود الذي في المقام ، إذا قام في الصلاة توكأ عليه ، قال : ثم ألصق إليه عود معه ، وروى أيضا هو ويحيى من طريقه عن مسلم بن خباب قال : لما قدم عمر رضياللهعنه القبلة فقد العود الذي كان مغروسا في الجدار ، فطلبوه ، فذكر لهم أنه في مسجد بني عمرو بن عوف أخذوه فجعلوه في مسجدهم ، فأخذه عمر فرده إلى المحراب ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا قام إلى الصلاة أمسكه بكفه يعتمد عليه ، ثم يلتفت في شقه الأيمن فيقول : عدّلوا صفوفكم ، ثم يلتفت إلى الأيسر فيقول مثل ذلك ، ثم يكبر للصلاة ، وذلك العود من طرفاء الغابة (١).
هل مصلاه صلىاللهعليهوسلم على عين القبلة أو جهتها؟
التنبيه الثالث : أسند يحيى عقب ما تقدم عن ابن عباس قال : كنت أرى صفحة خد رسول الله صلىاللهعليهوسلم اليمنى في مسجده يتيامن.
وعن عروة : كان الزبير بن العوام وأناس من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم يتيامنون ويقولون : إن البيت تهامي ، قال يحيى : وسمعت غير واحد من مشايخنا ممن يقتدى به يقول : المنبر على القبلة.
قلت : لعل ما ذكره من التيامن في غير المصلى الشريف ، والذي ذكره أصحابنا أنه لا يجتهد في محراب النبي صلىاللهعليهوسلم لأنه صواب قطعا ؛ إذ لا يقر على خطأ ؛ فلا مجال للاجتهاد فيه حتى لا يجتهد في اليمنة واليسرة ، بخلاف محاريب المسلمين ، سيما وقد تقدم أنه وضعه وجبريل يؤم به البيت ، والمراد بمحرابه صلىاللهعليهوسلم مكان مصلاه ، فإنه لم يكن في زمنه صلىاللهعليهوسلم محراب ، نعم إن ثبت تيامنه صلىاللهعليهوسلم في مكان مصلاه فما نقله متجه ، ويؤيده أن الدكة التي ظهرت في محل المنبر ووجد فيها آثار قوائم المنبر النبوي كما سيأتي متيامنة ، ولذا حرّضت على بقائها على ما وجدت عليه فبقيت على حالها ، إلا أنهم وضعوا المنبر عليها غير متيامن فصار محرفا عنها ، وعبارة النووي في التحقيق : وكل موضع صلّى فيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم وضبط موقفه تعين ، ولا يجتهد فيه بتيامن ولا تياسر ، انتهى.
وقال الشيخ محب الدين الطبري في شرح التنبيه ، ومن خطه نقلت : إن قيل محرابه صلىاللهعليهوسلم على عين الكعبة ؛ إذ لا يجوز فيه الخطأ ، فيلزم مما قلتم أنه لا يصح صلاة من بينه وبينه من أحد جانبيه أكثر من سمت الكعبة إلا مع الانحراف.
قلنا : من أين لكم أنه على يمين الكعبة؟ فيجوز أن يكون ذلك ولا خطأ بناء على أن
__________________
(١) الطرفاء : جنس من النبات منه أشجار وجنبات من الفصيلة الطرفاوية ، ومنه الأثل.