منهم بعثين (١) ، فتقدموا إلى السلطان ، فقالوا : إنّ لنا عبدا سياله (٢) علينا حقّ صحبة وتربية ، وقد كان أدبنا فأحسن لنا التأديب وآلت بنا الحال إلى الإضافة بحمل المحبرة وطلب الحديث ، وإنّا أردنا بيعه فامتنع علينا ، فقال لهم السلطان : وكيف أعلم صحة ما ذكرتم؟ قالوا : إن معنا بالباب جماعة من حملة الآثار ، وطلّاب العلم ، وثقات الناس ، فيكتفي بالنظر إليهم دون المسألة عنهم ، وهم يعلمون ذلك ، فتأذن بوصولهم إليك لتسمع منهم ، فأدخلهم وسمع منهم مقالتهم ، ووجه خلف المؤمل بالشرط والأعوان يدعونه إلى السلطان ، فتعذر ، فجذبوه وجرروه وقالوا : أخبرنا أنك قد استطعمت الإباق ، فصار معهم إلى السلطان ، فلمّا دخل عليه قال له : ما يفكيك ما أنت فيه من الإباق حتى تتعزز على سلطانك؟ امضوا به إلى الحبس ، فحبس مؤمّل وكان من هيئته أنه أصفر طويل خفيف اللحية ، يشبه عبيد أهل الحجاز ، فلم يزل في حبسه أياما حتى علم بذلك جماعة من إخوانه ، فصاروا إلى السلطان وقالوا : إنّ هذا مؤمّل ابن إهاب في حبسك مظلوم ، فقال لهم : ومن ظلمه؟ فقالوا له : أنت ، قال : ما أعرف من هذا شيئا ، ومن مؤمّل هذا؟ قالوا : الشيخ الذي اجتمع عليه جماعة. فقال : ذاك العبد الآبق ، فقالوا : ما هو بآبق ، بل هو إمام من أئمة المسلمين في الحديث ، فأمر بإخراجه ، وسأله عن حاله فأخبره ، كما أخبره الذين جاءوا يذكرون له حاله ، فصرفه وسأله أن يحله ، فلم ير مؤمّل بعد ذلك ممتنعا امتناعه الأول حتى لحق بالله عزوجل.
قال (٣) : وحدّثني عبد العزيز بن أحمد الكتاني ، أنا مكّي بن محمّد بن الغمر المؤدّب ، أنا أبو سليمان محمّد بن عبد الله بن أحمد بن زبر قال : سنة أربع وخمسين. قال الحسن بن علي بن داود بن سليمان فيها مات مؤمّل بن إهاب.
قرأت على أبي محمّد السّلمي عن أبي محمّد التميمي ، أنا مكي بن محمّد ، أنا أبو سليمان بن زبر قال : قال عمرو بن دحيم : مات بالرملة يوم الخميس لسبع ليال خلون من رجب سنة أربع وخمسين ومائتين.
قال : وأنا أبو سليمان قال : مؤمّل بن إهاب ـ يعني ـ مات سنة أربع وخمسين ومائتين.
__________________
(١) في تاريخ بغداد : فئتين.
(٢) كذا بالأصل ود ، و «ز» ، وم ، وفي تاريخ بغداد : «عبدا خلا سياله» وفي المختصر : عبدا سبيا ، له علينا.
(٣) تاريخ بغداد ١٣ / ١٨٣.