بما [عاملوك](١) به ، واجعل ثلث ما أردت أخذه منك واحرص كلّ الحرص أن لا يرفع أحد من أصحاب الأخبار إليّ عنك ذمّا ولا مدحا ، واحم (٢) نفسك فتسلم ، واجعل هذا ثلث ما أردت أن آخذه منك. وكا لما رأى الوزير محمد بن سلمة يأكل ، سأل عن السبب فيه ، فعرفوه خبره وما عمله الغلام ، وكان الغلام مملوكا له ، قريب المنزلة منه ، فعتقه ، ووهب له عشرة غلمان ، وجعل أرزاقهم تحت يده ، وحمله على عشرة براذين. وخلع عليه عشر (٣) خلع ، ثم كتب رقعة إلى محمد بن مسلمة (٤) ، بعد يومين : يا محمد بن مسلمة ، لا تنكرنا ، خبرنا برّك واحتفادك (٥) ، واحسب ما تستحقه منا ، لكن لنا في ذلك رأي يتبين لك بعد وقت آخر.
فلما كان بعد مدة خاطب فيه الواثق ، وعرفه صحة حسابه وفضله ، وثقته وشهامته ، فقلده واسط وأعمالها ، وأكسبه ثلاث مائة ألف دينار في مدة يسيرة ، وكان يقول : ما بلغنا في محمد بن مسلمة ما يستحقه منا لما فعله (٦).
ذكر أبو عبد الله محمد بن عبدوس الجهشياري في كتاب الوزراء (٧) : حدثني غير واحد من الكتاب وغيرهم ، منهم محمد بن الحسن الأنباري عن عمه ، وحدثني أبو أحمد (٨) بن أبي طاهر عن أبيه من غير نجاح ، والكتاب في أيام المتوكل مما تعاونوا عليه [فيه](٩) وهو أن نجاحا كان قد خصّ بالمتوكل وأنس به ، وعاشره ، فقال المتوكل وقد ذكره للفتح ، وهو مقيم بالجعفري (١٠) : ويحك ألا ترى إلى نجاح ، قد قعد بسرّ من رأى ، وتركنا هاهنا؟ ابعث فأشخصه بجماعة يجيئون به على الحال التي يجدونه عليها ، قال : فوجه إليه بجماعة ، فألقوه شرب ، فحملوه في ثياب بذلته ، وجاءوا به إلى المتوكل ، فلما رآه قال : ويلك! تدعنا هاهنا ، وتمر إلى سرّ من رأى؟ قال : نعم ، يا سيدي ، أدعك إذا لزمت الصحارى والخرابات ، وأمضي إلى معادن الأموال والخيرات ، جئتك وخلفت مالا عظيما لائحا يصيح : خذوني ،
__________________
(١) بياض بالأصل وم و «ز» ، والمثبت عن المختصر.
(٢) كذا بالأصل وم ، و «ز» ، وفي المختصر : واخمل.
(٣) بالأصل : عشرة.
(٤) أقحم بالأصل بعدها : ثم كتب رقعة.
(٥) بالأصل وم ، و «ز» : وافتقادك ، والمثبت عن المختصر : «واحتفادك» ، يقال : احتفد : خدم.
(٦) ليس الخبر في كتاب الوزراء والكتاب للجهشياري المطبوع الذي بين يدي (ط. مصطفى البابي الحلبي سنة ١٩٣٨).
(٧) زيادة عن «ز».
(٨) الأصل : حمد ، والمثبت عن «ز».
(٩) زيادة عن «ز».
(١٠) الجعفري : قصر للمتوكل قرب سرّ من رأى (راجع القاموس).