وأصبحوا يوم الاثنين والحمام (١) عابث في تلك المهج الصابرة ، والسّهام طائرة إلى القلوب الطائرة (٢) ، والحمى يمنع ويطرق ، والثلم (٣) ترقع وتخرق ، وغشيهم من الرجّالة أمثال الدّبا ، ملأوا الوهاد والرّبا (٤) ، وقيل قد بلغ الماء الزّبا (٥) ، وكلّ صارم الجد ونبا. لكنهم ردّوا وأردوا ، وصدموا وصدّوا ، وأمداد الرّوم في الزيادة ، وبإزائهم صبر من المسلمين أكرمهم الله بالشّهادة.
ولما رأوا رجالتهم يعنّون ولا يغنون ، ويدانون بالردّ إذا يدنون ، حملوا بالخيول وقد درّعوها ، وركضوا الصافنات (٦) إلى تلك الصّفاة (٧) فقرعوها
__________________
(١) الحمام ، بالكسر : قضاء الموت وقدره ، من قولهم حمّ كذا أي قدّر. والحمم : المنايا ، واحدتها حمّة.
وقد ورد ذكر الحمام بمعنى الموت في الحديث كثيرا. وحمة المنية والفراق منه : ما قدّر وقضى. يقال : عجلت بنا وبكم حمّة الفراق وحمّة الموت أي قدر الفراق ، والجمع حمم وحمام. ونزل به حمامه أي قدره وموته. لسان العرب ، ج ١٢ ، ص ١٥١.
(٢) استعارة مكنية شبه فيها المؤلف قلوب الميورقيين بالطائر من شدة ما أصابهم من الرّعب.
(٣) ثلم الإناء والسيف ونحوه يثلمه وثلمه فانثلم وتثلم : كسر حرفه. يقال في الإناء ثلم إذا انكسر من شفته شيء ، وفي السيف ثلم. والثلمة : الموضع الذي قد انثلم ، وجمعها ثلم ، وقد انثلم الحائط وتثلم. والثلمة : الخلل في الحائط. لسان العرب ، ج ١٢ ، ص ٧٨.
(٤) طباق الإيجاب بين" الوهاد والربا".
(٥) الزبا جمع زبية : هي الحفرة تحفر للأسد إذا أرادو صيده. وأصلها الرابية يعلوها الماء ، فإذا بلغها السيل كان جارفا مجحفا. وهو مثل يضرب لما جاوز الحد. الميداني مجمع الأمثال ، ج ١١ ، ص ١٢٤.
(٦) الصافنات : الخيل. جاء في القرآن الكريم : (" إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ") سورة ص الآية رقم ٣١. وصفنت الدابة تصفن صفونا : قامت على ثلاث وثنت سنبك يدها الرابع. وصفن الفرس إذا قام على طرف الرابعة. وصفن يصفن صفونا : صفّ قدميه. لسان العرب ، ج ١٣ ، ص ٢٤٨.
(٧) الصفاة : الصخرة الملساء. وقيل : هي الحجر الصّلد الضخم الذي لا ينبت شيئا ، والجمع صفوات وأصفاء وصفي ، يقال : لا تقرع لهم صفاة أي لا ينالهم أحد بسوء. والصّفا اسم أحد جبلي المسعى بالحرم المكي الشريف. لسان العرب ، ج ١٤ ، ص ٤٦٤.