ذكر الثورة التي كانت باكورة البطشة الكبيرة
وأوّل بلاء نزل من السّماء على الجزيرة
لما ارتاع هؤلاء الأجناد ، وسعى في صلاحهم الفساد ، وهالهم ما بينهم وبين طائفة الوالي من الخلاف ، وتقرّر عندهم ما يراد بهم من الإتلاف ، اجتمعوا إلى قائدهم وكان سمح الخليقة ، حسن الطريقة ، وشكوا إليه / ١٦ / ما دهم ودهى ، وقالوا إن أمد الصّبر قد انتهى ، وإنما نحن مصبّحون أو ممسّون (١) ، وكيف تخفضنا السفلة ونحن الأعلون. فلم يقبل مقالهم أولا ، وقال لعل فيما بلغ متأولا ، وما زالوا يحذرونه الغوائل (٢) ، ويأتونه على الأمر بدلائل ، حتى خاف على نفسه ، وعاد يومه خلاف أمسه ، وبدت البغضاء ، وزال الإغضاء (٣) ، وتمّ القضاء.
وعزموا مع القائد أن يطوّقوا واليهم السّيف ، ودبّروا أين وكيف ، ثم اتبعوا رأي مشيرهم المشيح (٤) ، وعزموا أن تكون الرّاحة منه في صلاة الترويح (٥). فلم يقض الله لحيلتهم أن تكون متوجهة ، ولعلّه لم يرض أن تكون قتلته بالقتلة الفاروقية (٦) متشبّهة ، فإنهم لما عيّنوا اللّيلة والساعة ، وقدّروا لفنكة
__________________
(١) طباق الإيجاب بين" مصبّحون وممسّون".
(٢) واحدتها غائلة وهي الحقد الباطن. يقال فلان قليل الغائلة والمغالة أي الشرّ. والغوائل الدّواهي.
والغيلة : الخديعة والاغتيال ، وهي إيصال الشر والقتل إليه من حيث لا يعلم ولا يشعر. لسان العرب ، ج ١١ ، ص ٥١٢.
(٣) جناس ناقص بين" البغضاء والإغضاء".
(٤) المشيح : الحذر والجاد في الأمر. الفيروز أبادي ، القاموس المحيط ، ص ٢٠٦.
(٥) قيام رمضان وتؤدى بعد صلاة العشاء وقبل الوتر. والتراويح جمع ترويحة وهي المرة الواحدة من الراحة ، سميت بذلك لاستراحة المصلين بعد كل أربع ركعات. السيد سابق ، فقه السنة ، ج ١ ، ص ٢٠٥. ويستفاد من النص أن محاولة اغتيال والي ميورقة أبي يحيى بن أبي الحسن كانت في شهر رمضان سنة ٦٠٦ ه / أوت ١٢٢٩ م.
(٦) يريد مقتل الخليفة الثاني الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، الذي قتله أبو لؤلؤة النصراني ـ