ثانيا : مؤلفات ابن عميرة
اشتهر ابن عميرة بثقافته الواسعة والمتنوعة ، فقد كان كما وصفه صاحب تاريخ آداب العرب ، خزانة من خزائن العلوم (١) ، وقد رأينا فيما سبق بعض الشهادات في حقه التي تثبت هذا الرأي. وكان متفننا في منقول ومعقول تلك العلوم ، مدققا في أصولها وفروعها محدثا مكثرا ، راوية ثبتا ، متبحرا في التاريخ والأخبار ، مضطلعا بالأصلين ، قائما على العربية واللغة ، بارعا في الأدب وفنونه ، مولعا بعلوم الفلسفة والمنطق والفلك والطب. وكانت هذه الثقافة الدينية والعلمية العقلية والأدبية الواسعة نتيجة حياة طلب وتحصيل طويلة ، ناهيك عن تقلده المناصب السامية التي مكنته من استنساخ النوادر ودراستها ، واهتمامه بقراءة الجديد من إنتاج معاصريه المشارقة والمغاربة ، فجاء إنتاجه العلمي ثمرة لتلك الثقافة التي ألّف في حقولها المعرفية مجموعة من التآليف وهي :
١ ـ الرسائل : انتهت إلى ابن عميرة رئاسة صناعة الكتابة والترسّل في عصره ، وشهد له بالإمامة فيها فحول الكتّاب والمترسلين من معاصريه ومن جاء بعدهم ، فقد وصفه ابن سعيد بقوله : " هو الآن عظيم الأندلس في الكتابة وفي فنون من العلوم" (٢). وقد أنتج عددا هائلا من الرسائل الديوانية والإخوانية ، ساعدته في ذلك موهبته البلاغية ومقدرته الكتابية ، إلى جانب اتخاذ الترسل حرفة ، وشغله خطة الكتابة أكثر أوقات حياته لدى الكثير من الأمراء والخلفاء. وكانت ظروف عمله من أكثرها استدعاء للمكاتبات
__________________
(١) مصطفى صادق الرافعي ، تاريخ آداب العرب. بيروت : دار الكتاب العربي ، ١٩٧٤ ، ج ٣ ، ص ٣٢٢.
(٢) ابن سعيد المغربي ، المغرب في حلى المغرب ، تحقيق شوقي ضيف ، القاهرة : دار المعارف ، ١٩٦٤ ، ج ٢ ، ص ٣٦٣.