وصف ما جرى من الرأي المدار
عند ما شامه الناس من بوارق البوار (١)
ولما رأوا أن الخطب قد أسرف ، والبلد على الهلاك قد أشرف (٢) ، وما آلت الحال إليه من الهزل والأزل (٣) ، والعجز عن شبّ وقود الحرب بالحطب الجزل ، ولم يشكّوا أنّ ما هم فيه فبالعطب يقضي ، وإلى اليأس / ٤١ / من السّلامة يفضي ، كلّموا الوالي في بقايا الأنجاد أن يحصروا ويحصوا ، ويطعموا ويكسوا ، ويفرغوا للقتال ، ويكفوا ما عداه من الأعمال.
فاستقبح هذا الرأي الحسن ، وخشي أن يستسلف منه بعض ما أوعى واختزن ، فجرى بينه وبينهم كلام أحرجه ، وملام إلى الخوف على نفسه أخرجه (٤) ، فدعا أحد كبراء قومه وخرج له عن التدبير ، وأقعده مقعد الأمير ، فاختار الرجل ألف راجل لذلك المعنى ، ولو أتي غنى الوالي لكان قد أغنى ، وطلب منه سلف مال وطعام يصلح لهذا الغرض ، فما أجاب إلى القرض دون قبض العوض.
فتخلّى الرّجل عمّا نيط به ، وردّ الأمر إلى السّاعي في عطب الناس
__________________
(١) البوار : الهلاك. باربورا وبوارا. ورجل بور ورجلان بور وقوم بور وامرأة بور ، ومعناه هالك.
والبائر الهالك. وقد بار فلان أي هلك. وأباره الله : أهلكه. وفي الحديث : فأولئك قوم بور ، أي هلكى. وفي حديث أسماء في ثقيف : كذّاب ومبير ، أي مهلك يسرف في إهلاك الناس. ودار البوار : دار الهلاك. لسان العرب ، ج ٤ ، ص ٨٦.
(٢) جناس ناقص بين" أسرف وأشرف".
(٣) جناس ناقص بين" الهزل والأزل".
(٤) إن رفض والي ميورقة للخطة المعروضة عليه في الدفاع عن المدينة كان سببه البخل وخشية الإنفاق حسب ابن عميرة ، وهذه الصفة الذميمة التي اشتهر بها الوالي أكدها ابن سعيد أيضا بقوله : إلى أن أخذ النصارى ميورقة من أبي يحيى بن عمران التنملي ، وكان بخيلا غير حسن التدبير سامحه الله. ابن سعيد ، المغرب في حلى المغرب ، ج ٢ ، ص ٤٦٧.