وعطبه ، ومنع من جمع الرجالة شحّا على النفقة ، وصيانة للإثمد (١) بإتلاف الحدقة ، وكان إذا تكلّم معه في أمر الناس ، وإشرافهم على اليأس ، يخبر بقرب الفرج ، ويعد بسلامة البلد والمهج ، اتكالا على والي إفريقية (٢) أن ينهد (٣) لإغاثته ، فانظر إلى هذا العقد ورثاثته والقول وغثاثته (٤) ، وقيل إن كتاب هذا المنجد جاء بعد شهرين من دخول البلد بالسيف ، يعد بالنّصرة عند إقبال زمان الصّيف.
__________________
(١) الإثمد : حجر يتخذ منه الكحل ، وقيل : ضرب من الكحل ، وقيل : هو نفس الكحل ، وقيل شبيه به. يقال للرّجل يسهر ليله ساريا أو عاملا : فلان يجعل الليل إثمدا أي يسهر فجعل سواد الليل لعينيه كالإثمد لأنه يسير الليل كلّه في طلب المعالي. لسان العرب ، ج ٣ ، ص ١٠٥.
(٢) هو مؤسس الدولة الحفصية بإفريقية الأمير أبو زكرياء يحيى بن عبد الواحد بن أبي بكر بن أبي حفص عمر الهنتاتي ، ولد بمراكش سنة ٥٩٩ ه ، وبويع بالقيروان في رجب سنة ٦٢٥ ه. وفي سنة ٦٣٤ ه بويع البيعة الثانية وذكر اسمه في الخطبة واقتصر على لقب الأمير الذي كان لا يريد أن يحمل أي لقب آخر سواه ، فاستقل منذ ذلك التاريخ بإفريقية واستبد بشؤونها في أيام الخليفة الموحدي الرشيد بن المأمون. وفي سنة ٦٣٥ ه وصلت إليه بيعة زيان بن مردنيش صاحب شاطبة ، وفتح تلمسان سنة ٦٣٩ ه ، ثم وصلت إليه في السنوات الموالية بيعة سبتة والمرية وإشبيلية وغرناطة. كان من الصالحين والعلماء العاملين ، فقيها ، أديبا ، جمعت دولته من رؤساء العلماء والشعراء وأهل الصلاح ما لم يجتمع لغيره. توفي سنة ٦٤٧ ه تاركا وراءه سبعة عشر بيتا من المال ، ومن الكتب ستة وثلاثين ألف مجلد. ابن أبي دينار ، المؤنس في أخبار إفريقية وتونس ، ص ١٥٥ ـ ١٥٧.
(٣) نهد ينهد إلى العدو نهودا : نهض. والمناهدة في الحرب : المناهضة. نهد القوم لعدوّهم إذا صمدوا له وشرعوا في قتاله. والنّهد : العون. وطرح نهده مع القوم : أعانهم وخارجهم. لسان العرب ، ج ٣ ، ص ٤٣٠.
(٤) جناس ناقص بين" الرّثاثة والغثاثة".