قصة الجبل
/ ٤٩ / هذا الجبل (١) يمنع من سكنه ، وله من الجوانب الوعرة ما حصّنه ، وفيه من الخصب والفواكه ما طيبه وحسّنه ، وحين غلب الرّوم على الجزيرة سنة ثمان وخمس مائة (٥٠٨ ه) أنجى أهله من عدوانهم ، وعصم من أوى إليه من طوفانهم (٢).
فلمّا تمّ على البلد ما تمّ ، وخصّ الرّزء باليوم الأشنع والخطب الأفظع وعمّ ، نجا إليه الفلّ وهم ألوف ، ورجوا أن يشمخ بأنفه الشامخ منهم أنوف (٣) ، فأنجدهم حين استنجدوا ، واحتضنهم كأنه حضن وهم قد أنجدوا ، وأصبحت فجاجه وهي بهم قد غصّت ، وطاروا إليه وأجنحتهم من القوت قد قصّت (٤). فجمعهم ابن شيري وكتبهم ، وانتقى الأنجاد وانتخبهم ، وبلغ عددهم عنده في بدء الأمر ستة عشر ألف راجل ، بين أصلي وواصل.
__________________
(١) جاء في وصف جزيرة ميورقة عند الزهري : " وفي وسطها (جزيرة ميورقة) جبل يهبط منه نهر يشق هذه الجزيرة ويسقي جميع أرضها ، ويشقّ فضله على مدينة ميورقة". الزهري ، الجغرافية ، ص ١٢٩.
(٢) كانت جزيرة ميورقة في ذلك التاريخ تحت حكم مبشر بن سليمان ، حيث تعرضت لأول غزو نصراني منذ فتحها ، وهو الغزو الذي اتحدت فيه جمهوريتا بيزة وجنوة وإمارة برشلونة. وضرب الغزاة على مدينة ميورقة حصارا شديدا ، وقاسى المسلمون أهوالا من الجوع والحرمان ، ولجأت منهم إلى الجبال المنيعة جموع غفيرة. وتم اقتحام المدينة في أواخر سنة ٥٠٨ ه / ١١١٦ م وعاث فيها النصارى تخريبا ونهبا وسلبا. وكان في تلك الأثناء قد تلقى الأمير المرابطي علي بن يوسف على يد البحار عبد الله بن ميمون صريخ مبشر بن سليمان قبيل وفاته ، فلبت القوات المرابطية نداء الجهاد وحررت الجزيرة من يد النصارى في أواخر ٥٠٩ ه. ابن الكردبوس ، الاكتفا في أخبار الخلفا ، ص ١٢٢ وما بعدها. ابن خلدون ، العبر ، مج ٤ ، ص ١٩٨. الحميري ، الروض المعطار ، ص ٥٦٧.
(٣) استعارة مكنية شبه فيها المؤلف الجبل الشاهق الطويل بالإنسان حين يرفع أنفه عزا وتكبرا وترفعا.
(٤) استعارة مكنية شبه فيها المؤلف الميورقيين الفارين من النصارى بالطيور.