٣. بوادر العدوان الصليبي على ميورقة :
ومما يؤسف له أن ابن عميرة قد قفز في حديثه عن جزيرة ميورقة من سنة ٦٠٦ ه تاريخ تولية أبي يحيى التنملي عليها إلى سنة ٦٢٣ ه تاريخ بداية التحرشات النصرانية على جزر البليار ، فحرمنا بذلك من توضيح الأحداث الداخلية وتطوراتها التي عرفتها ميورقة خلال هذه الفترة ، واكتفى بالقول إن الجزيرة قد نعمت بالعدل في عهد أبي يحيى. وإذا كان المؤلف قد أهمل الكلام عن الفترة المشار إليها لأن هدفه من الكتاب كان التأريخ لسقوط الجزيرة ، فإننا نضيف عاملا آخر وهو بقاء ميورقة وجزر البليار بمعزل عن مملكة قطلونية وأرغون بمأمن من عدوان أساطيلها خلال تلك الفترة التي كانت تعيش فيها هذه المملكة حربا أهلية بين المتنافسين على العرش بعد مقتل بيدرو الثاني سنة ٦١٠ ه / ١٢١٣ م ، فنعمت ميورقة بالأمن ولم تتعرض لأي خطر خارجي.
إن الحرب الأهلية التي نشبت في مملكة قطلونية وأرغون بعد مقتل ملكها بيدرو الثاني كانت بين ولده الوحيد خايمي الأول أو جاقمه كما يسميه ابن عميرة وبين عمّيه فرناندو وسانشو المطالبين بالعرش. كما أعلن الكثير من الأشراف استقلالهم وأخذوا يحاربون بعضهم بعضا وعمت الفوضى ، واستطاع أنصار الملك خايمي أن ينتزعوه من وصيّه أستاذ الدّاوية ، وكان قد بلغ التاسعة من عمره ، واحتدم الصراع عندئذ بين حزب خايمي وبين خصومه.
وبعد أعوام من النزاع والحروب استطاع الملك خايمي أن ينتصر على خصومه وينتزع عرشه نهائيا سنة ٦٢٤ ه / ١٢٢٧ م (١). وأخذ الملك الشاب
__________________
(١) أشباخ يوسف ، تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين ، ترجمة محمد عبد الله عنان ،