ابن أبي إسحاق بن جامع ، وبعد أيام من ترتيب ما رتب لخدمته ووزرائه جدّد نظره في أمور البلاد وما يجب لها من التفقد بالصلاح والسداد ... فأنهض أبا يحيى إلى بلنسية وثقف أشغالها وأصلح أحوالها" (١).
كان الخليفة الناصر كثير التغيير والتبديل للولاة ورجال الدولة ، عاكفا على معالجة الشؤون الإدارية والنظر في أعمال الولايات ، ومنها هذه الحركة التي أجراها سنة ٦٠٥ ه ومسّت أبا يحيى التنملي حين أخّره عن الوزارة وألزمه أن يبقى في داره ، ولم تخبرنا المصادر عن سبب ذلك التأخير. ولكن بعد مدة يسيرة وفي نفس السنة عيّن الخليفة الناصر أبا يحيى التنملي واليا على بلنسية ، ثم نقله في السنة الموالية إلى ولاية ميورقة.
بقيت الإشارة إلى صفة ذميمة تتعلق بشخص الوالي أبي يحيى التنملي وهي صفة البخل ، فعلى الرغم مما اشتهر به من عدل وحسن السيرة أيام تقلده منصب الوزارة ، وكذلك خلال توليه جزر البليار مدة طويلة ، إلا أنه لم يستطع التخلص من هذه الصفة ومفارقة هذه الشهوة التي لازمته حتى وفاته. وهذا ما أجمله ابن سعيد في العبارة التالية : " وكان بخيلا غير حسن التدبير سامحه الله" (٢). وذكرها ابن عميرة في أكثر من موضع من هذا الكتاب ، فقد نعته بأنه كان منهوما لا يشبع من المال ، وانه كان كثير الازدياد من الدنيا وحطامها والانقياد من الأطماع في خطامها. وأن هذا المال الجمّ الذي جمعه لم يخرجه في وجه من وجوه البرّ والإثم ، مصداق ذلك الخطة التي عرضت عليه أثناء الحصار للدفاع عن المدينة فرفضها بدافع البخل وخشية الإنفاق.
__________________
(١) ابن عذاري المراكشي ، المصدر السابق ، ص ٢٥٣.
(٢) ابن سعيد المغربي ، المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ٤٦٧.