خبر الوالي بعد انقضاء حربه إلى أن صار إلى جزاء ربّه
هذا الرجل كان بالجزيرة قد استبدّ بإمارتها ، واحتوى على فلاحتها وتجارتها ، وعني بجمع المال الجمّ ، ولم يخرجه في وجه من وجوه البرّ والإثم ، وفارق شهواته غير هذه الشهوة (١) ، وظن أنه جمع من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة (٢). والنصارى أهل جزاف يقبلون محالا ، ويقولون إن المسلمين أكثر أهل الأرض مالا ، فلما حصل عندهم لم يشكّوا أن في ورقه وعينه وفاء بوسق مراكبهم ، وأن المشاهد منهما والغائب يصل إلى شاهدهم وغائبهم (٣).
فقالوا له أين الكنوز ، وجوّزوا من كثرتها ما يحكم العقل بأنه لا يجوز ، ولم يجدوا له من ذلك العدد الدّثر (٤) ، إلّا مقدار الثمن فيما باع مدّة الحصر ، فأسلموه إلى العذاب المهين ، وظنّوه / ٤٨ / بالعين عين الضّنين ، وجمعوا له عداوة المنع إلى عداوة الدّين. وعاش خمسة وأربعين يوما في
__________________
(١) يريد صفة البخل الذميمة التي اشتهر بها والي ميورقة أبو يحيى التنملي وأشار إليها المؤلف في مواضع أخرى من المخطوط.
(٢) إشارة إلى قوله تعالى عن قارون : (" إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ"). سورة القصص ، الآية ٧٦.
(٣) طباق الإيجاب بين" شاهدهم وغائبهم".
(٤) الدّثر : المال الكثير ، ولا يثنى ولا يجمع ، فيقال : مال دثر ومالان دثر وأموال دثر. وقيل هو الكثير من كل شيء قال امرؤ القيس :
لعمري لقوم قد ترى في ديارهم |
|
مرابط للأمهار والعسكر الدّثر |
يعني الإبل الكثيرة. وعسكر دثر أي كثير. وفي الحديث : وابعث راعيها في الدّثر أي الخصب والنبات الكثير. لسان العرب ، ج ٤ ، ص ٢٧٧.