وكان جمد البرد على نقيض وقدة الحزن ، وكانون الثاني يثني على غير الكنّ (١) ، وليس على القوم إلا ما يواري ، وقد كبا الزند الواري ، وتفقأت القلع السواري ، فجاءهم من الأجل ما كانوا يريدون ، ومات منهم في تلك الأيام مثل من قتل أو يزيدون (٢).
وقيل إن القتلى حين جمدت بسفك دمائها الصّيبة ، وأنتنت جثثها / ٤٧ / بفقد أرواحها الطيبة ، جمع النصارى من القسّيسين أكبرهم ، وذكّرهم بنعمة الله التي ليست في الآخرة تذكرهم ، وشرع من عند نفسه ما يقضي العجب من قائله ، وقال من أخرج من البلد قتيلا فله مثل أجر قاتله ، وأمر الملك بإحصائهم فبلغوا أربعة وعشرين ألفا ، قتلوا على دم واحد رضّا (٣) وحطما وقصفا.
__________________
(١) الكنّ والكنّة والكنان ، بالكسر : وقاء كل شيء وستره. والكنّ : البيت أيضا. والجمع أكنان وأكنة. والكن : ما يردّ الحرّ والبرد من الأبنية والمساكن. والكنّ : كل شيء وقى شيئا فهو كنّه وكنانه ، والفعل من ذلك كننت الشيء أي جعلته في كنّ. وكنّ الشيء يكنّه كنّا وكنونا وأكنّه وكنّنه : ستره. لسان العرب ، ج ١٣ ، ص ٣٦٠.
(٢) جناس ناقص بين" يريدون ويزيدون".
(٣) الرّض : الدّق الجريش. رضّ الشيء يرضّه رضّا فهو مرضوض ورضيض : كسره ، ورضاضه : كساره وفتاته. وارتض الشيء : تكسر. لسان العرب ، ج ٧ ، ص ١٥٤.