ذكر ابن عبّاد ومصيره إلى ارتداء الخزي بالارتداد
هذا الرجل (١) كانت له في الجزيرة نباهة ، وعند رعيتها وجاهة ، وما عرفت منه سفاهة ولا جربت عليه إلّا مروءة ونزاهة ، إلى أن برئ منه القرآن (٢) ، وانسلخ من آياته فأتبعه الشيطان (٣) ، وخرج إلى الروم مرتدّا وادّعى أن يرهب لهم حدّا ، ودعا للرحمن من الولد ما تكاد تخر له الجبال هدّا (٤) ، وطلب منهم إمارة البلد ، والتزم إسلامه إليهم في أقرب المدد.
فتلقوا بالقبول ردته وإرادته ، وعاونوه على الشقاوة التي محقت سعادته ، فطلب منهم للناس عهودا بالأمان ، وكتبا بالإحسان ، وصدّر كل كتاب / ٣٤ / ببسملة ، وأودعها ما يليق بكل شخص من مسألة ، وخرج بها وقلبه على جرمه جريء ، والله من عمله بريء ، وجاء حيث جال بالتلابيس الإبليسية ، ودعا الناس بالدعاية المسيحية ، وأعدى القلوب مرضا فأزالها عن الهيئة الصحية ، وأقبل بالكتب إلى تلك الكثب فانهالت وانهال عارض شره
__________________
(١) تدعوه المصادر القطلانيةBenahabet ، وتذكر أنه كان عاملا على بلانسة أحد الأقاليم الخمسة عشر التي تتكون منها ميورقة الإسلامية. وقد ارتد عن دينه ودخل في خدمة الملك المسيحي خايمي الأول وطلب منه راية وشارة حتى لا يعترضه الجنود المسيحيون ، فاستجاب الملك لطلبه ، وأرسل معه ضابطين للتأكد من صدق ولائه. وقد ظل هذا الخائن يعمل لصالح النصارى حتى سقطت جزيرة ميورقة في أيديهم. وقد سكتت تلك المصادر عن مصير ابن عباد ، ولكنها تحدثت عن حفيدته ليونور ابنة ناصر التي ورثت عن جدّها بلدة الخابية في جزيرة ميورقة وتزوجت من أحد نبلاء قطلونية. ميجيل الكوبير ، الإسلام في ميورقة ، ص ص ٧٠ ـ ٧١.
(٢) كناية عن ردّة ابن عبّاد عن الإسلام.
(٣) إشارة إلى قوله تعالى : (" وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ"). سورة الأعراف ، الآية ١٧٥.
(٤) إشارة إلى قوله تعالى : (" وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا"). سورة مريم ، الآيات : ٨٨ ـ ٨٩ ـ ٩٠.