وصف ما نشأ أثناء هذا التدبير من تهيب الرّوم لهذا المرام الكبير
/ ١١ / وبعد أن عزم النصارى على هذا الرأي ، وشاهدوا ما لملكهم فيه من الجد والسعي ، تعقبوا النظر ، واستشعروا الحذر ، وقالوا يجب أن نتبيّن أقوم الطرق ، والشروع في العمل قبل تدبير الغاية من الخرق. وميورقة على ضم الرجال مبنية ، وهي للبعيد والقريب أمنية ، فهي بالمقاتلة طافحة (١) ، ثم هي لكبش السماء مناطحة ، وليمين الثريا مصافحة (٢) ، وركوب البحر إليها ركوب الغرر ، وورودها مظنة لسوء الصدر ، والملك قد ركب رأسه ، ووعد بها نفسه ، وظنّ أنّها أخيذة لشرك (٣) شركه ، وأنّ بهذا المسلك تنتظم في سلكه.
فمن الرّأي أن نقوم الآن من مجلسنا ، وننهض إليه بأنفسنا ، ونأتي عنده في هذه العلة بقول شاف ، ونبين عليه ما نتخوفه وهو عليه خاف. ولقد كانت ميورقة فوق ما هالهم ، وأعظم مما راع علمه جهالهم ، وأعزّ من أن تطرد سرحها ذئابهم ، أو يطير إلى شهدها ذبابهم (٤). ولكن قدر سبق ، وقضاء من
__________________
(١) طفح الإناء والنهر يطفح طفحا وطفوحا : امتلأ وارتفع حتى يفيض. وطفحه طفحا وطفّحه تطفيحا وأطفحه : ملأه حتى ارتفع. ورأيته طافحا أي ممتلئا. والطافح : الممتلئ المرتفع. ومنه قيل للسكران : طافح أي أن الشراب قد ملأه حتى ارتفع. لسان العرب ، ج ٢ ، ص ٥٣٠.
(٢) كناية عن تخوف النصارى وتهيبهم من الحصانة الحربية والمناعة العسكرية لمدينة ميورقة ، وتحسبهم لقوة أهلها واستعدادهم الكبير وحماسهم القوي في الدفاع عن مدينتهم ومواجهة العدو.
(٣) الشّرك : حبائل الصائد وكذلك ما ينصب للطير. واحدته شركة وجمعها شرك ، وشرك الصائد : حبالته يرتبط فيها الصيد. لسان العرب ، ج ١٠ ، ص ٤٥٠.
(٤) الشّهد والشّهد : العسل ما دام لم يعصر من شمعه. واحدته شهدة ، ويكسّر على الشهاد. وقيل : الشهد العسل ما كان. والذباب الأسود الذي يكون في البيوت ويسقط في الإناء والطعام. والذباب أيضا : النحل. وفي حديث عمر رضي الله عنه : " كتب إلى عامله بالطائف في خلايا العسل وحمايتها ، إن أدّى ما كان يؤدّيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عشور نحله فاحم له ، فإنما هو ذباب غيث يأكله من شاء". يريد بالذباب النحل وأضافه إلى الغيث على