بالإسناد في الجبل ، والاستبداد بذلك العمل ، وكان ذلك سبب الكسرة الخاصة بالبلد ، الحاصّة (١) أجنحة المدد ، وبقيت الرّعية على نصرة البلد حراصًا ، ورجت أن تجد له من أسر الحصر خلاصا.
فأعادت على الوالي رغبتها تلك ، واقترحت من بنيه من ينظم ذلك السلك ، فأبى غير ذلك المشؤوم ، وأخرجه ثانية لمناجزة الرّوم ، فلما رأوه تشاءموا بوجهه ، وهمّوا بنجهه (٢). وطلبوا من الوالي غيره فما أسعفهم ، وأعادوا الرّغبة عليهم فعنّفهم ، ولمّا برز بهم / ٣٣ / هذا القائد الواهي ركنه ، المجرّب شؤمه وجبنه ، مشى بأنكد جدّ ، وأنكل حد (٣) ، ودنا من العسكر في العدد الأكثر ، والجمع الأوفر ، ونذر بهم الرّوم فركبوا تلقاءهم ، وقصدوا لقاءهم.
فلمّا أطلّوا من بعيد ولّاهم قفاه ، وأطاع مصرّفيه الجبن والشؤم فما استوقفاه ، وفرّ قبل لف الخيل بالخيل (٤) ، وجرّ على المسلمين ذيل الويل ، فإنهم بفراره انتقضت عراهم ، وأعداهم ما عراه من الوهل (٥) فعراهم ، واتبعهم النصارى فقتلوا منهم مقتلة كبيرة ، وأمطروا عليهم من البلاء سحبًا غزيرة (٦).
__________________
(١) الحاصّة : هي العلة التي تحصّ الشعر وتذهبه. والحصّ : حلق الشعر ، حصّه يحصّه حصا. وقيل : هو إذهاب الشعر عن الرأس بحلق أو مرض. ويقال : طائر أحص الجناح ، أي منتوف الجناح. وتحصّص الحمار والبعير سقط شعره ، والحصيص اسم ذلك الشعر. والحصيصة ما جمع مما حلق أو نتف. لسان العرب ، ج ٧ ، ص ١٤.
(٢) جناس ناقص بين" وجهه ونجهه".
(٣) جناس ناقص بين" جدّ وحدّ".
(٤) كناية عن الحرب ولقاء العدو.
(٥) الوهل : الفزع. وهل وهلا : ضعف وفزع وجبن ، وهو وهل ، ووهّله : أفزعه. ووهل يوهل فهو وهل ومستوهل. ووهلت إليه إذا فزعت إليه ، ووهلت منه إذا فزعت منه. والوهلة : الفزعة. لسان العرب ، ج ١١ ، ص ٧٣٤
(٦) استعارة مكنية فيها تشبيه للبلاء النازل على أهل البادية بالأمطار الغزيرة.