فأما عدد الرؤوس فيه فكانوا يقدّرون بخمسين ألفا ، سقطوا عجفا (١) وضعفا ، ونسف الحمام والحسام أرواحهم نسفا ، فنزلوا عند رأيه ، وأطاعوه في أمره ونهيه ، وحصّن الحصون الثلاثة ، ومنّاهم المعونة والإغاثة ، وتعاهد المصالح ، وجعل على المسالك مسالح (٢) ، فكانوا مع القوة يهبطون إلى السّهل لطلب الميرة ، ويجدون حاجتهم من الأطعمة الكثيرة ، وربّما تلاقوا مع الرّوم فظهروا عليهم ظهورا مستغربا ، وأخذوا من خيلهم مغربا ، ومن رجالهم مغرّبا.
ولقد هابهم الرّوم أوّل الحال ، / ٥٠ / ونادى إمام ضلالهم عند وابل وبالهم ألا صلّوا في الرّحال ، لكن هؤلاء يقاتلون ووراءهم القوة والنجدة ، والعدد والعدّة ، وهؤلاء يجالدون والرّبا فيهم قد فشا ، والقرّ لا يكسر سورته حرّ الحشى ، والجوع قد قعد بمن مشى ، وعدم المنتاش فتوهمه الناظر أنه قد انتشى.
وكتبوا إلى أهل منورقة (٣) أن يمدّوهم بالطعام ، ويعينوهم على المقام ،
__________________
(١) العجف : ذهاب السّمن والهزال. والتعجيف : سوء الغذاء والهزال. وقد عجف وعجف فهو أعجف وعجف ، والأنثى عجفاء وعجف والجمع عجاف. قال تعالى : (" يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ") ، هي الهزلى التي لا لحم عليها ولا شحم ضربت مثلا لسبع سنين لا قطر فيها ولا خصب. والعجفاء هي المهزولة من الغنم وغيرها. لسان العرب ، ج ٩ ، ص ٢٣٣.
(٢) المسلحة : القوم الذين يحفظون الثغور من العدو ، سمّوا مسلحة لأنهم يكونون ذوي سلاح ، أو لأنهم يسكنون المسلحة وهي كالثغر والمرقب يكون فيه أقوام يرقبون العدو لئلا يطرقهم على غفلة ، فإذا رأوه أعلموا أصحابهم ليتأهبوا له. واحدهم مسلحي. والمسلحي أيضا : الموكل به والمؤمّر. لسان العرب ، ج ٢ ، ص ٤٨٧.
(٣) ثانية جزر البليار من حيث المساحة التي تبلغ حوالي ٧٠٠ كلم مربع ، ويصل طولها إلى حوالي ٤٨ كلم ومتوسط عرضها حوالي ١٦ كلم. وهي تبعد عن جزيرة ميورقة بحوالي ٤٠ كلم. وقد اشتهرت بخصوبتها وكثرة الزرع والكروم والأبقار ، وهو ما يشير إليه الزهري قائلا : " ومما يلي هذه الجزيرة (ميورقة) في الشرق جزيرة منورقة ، وهي صغيرة كثيرة الزرع والكرم وليس في ـ