الجامع الجماعة ، خرج منهم إلى أحد بطانة الوالي من سرى إليه بالسرّ ، وكشر له عن ناب الشر (١) ، فرفع إلى الوالي الخبر ، وقال له الحذر الحذر ، وانتشر الأمر فماج الناس ، وهاج الوسواس ، وقيل للقائد قد افتضحت القصة ، وبصحة الأمر عليك لا تكون لك في الحياة حصّة ، وليس أوان أناتك ، فاحتل بالنجاة (٢) لنجاتك.
فركب بحد فليل ، في عدد قليل (٣) ، وخرج يعثر في ذيل الويل (٤) ، وأتبعه الوالي قطعة من الخيل ، وكان قصد البادية مستجيرا ومستجيشا (٥) ، ولو بلغهم لكان غيمه مرشّا وجناحه مريشا ، لكن / ١٧ / أدرك وبينه وبينهم فرسخ ، وباشر عند حياته قاضي الحمام فقال يفسخ ، وعفّي ذلك الرّبط ، وعفّر ذلك الرّهط ، وحطّت رؤوسهم عن الأجساد ، ورفعت فوق الصّعاد ، وطيف بها في الشوارع ، وتطاول قوم الوالي لإنزال القوارع.
__________________
ـ غلام المغيرة بن شعبة ، وهو في صلاة الصبح ليلة الأربعاء ٢٧ ذي الحجة سنة ٢٣ ه. عن هذا الحادث انظر الطبري ، تاريخ الأمم والملوك ، ج ٥ ، ص ١٢.
(١) استعارة مكنية شبّه فيها المؤلف الشر بالحيوان المفترس الذي يكشر عن أنيابه كالأسد والذئب والكلب وغيرهم.
(٢) النجاة : السرعة في السير. وهو ينجو في السرعة نجاء ، وهو ناج : سريع. ونجوت نجاء أي أسرعت وسبقت ، وفي الحديث : إنما يأخذ الذئب القاصية والشاذة الناجية أي السريعة ، وناقة ناجية ونجاة : سريعة. قال الأعشى :
تقطع الأمعز المكوكب وخدا |
|
بنواج سريعة الإيغال |
أي بقوائم سراع. واستنجى أي أسرع ، وفي الحديث : إذا سافرتم في الجدب فاستنجوا أي أسرعوا. لسان العرب ، ج ١٥ ، ص ٣٠٦.
(٣) جناس ناقص بين" فليل وقليل".
(٤) استعارة مكنية حيث جعل المؤلف للويل ذيلا.
(٥) أي قصدها طالبا من أهلها جيشا.