قبله فيها المنزلة الشّهيرة الكبيرة. ويعتزي إلى جبلة بن الأيهم (١) الذي خاف القصاص وقد بدرت منه لطمة ، وعرف أنها من الفاروق رضي الله عنه عزمة ، فخرج إلى ملك الرّوم من حينه ، ولحق به عائذا به ، عائدا (٢) في دينه ، وخبره مذكور ، ونسبه في غسّان مشهور.
ولما استشهد رحمه الله اختل بعده الأمر جملة ، وعدم بقايا المسلمين بينهم وصلة ، ولجأوا إلى بعض رعان (٣) الجبل ، وهم في غاية الوله والوهل ، وأرسل الله بالشتاء والثلج كل عارض وكاف ، فمات منهم هنالك نحو ثلاثة آلاف ، وغلبهم الرّوم ، ونفذوا القدر المحتوم ، وبيع / ٥٢ / الأسارى بالثمن البخس ، وغار لهم نجم السّعد (٤) واستولى طالع النحس ، فاهلكوا وأبيدوا ،
__________________
ـ الطيب ، ج ٣ ، ص ١٢. ابن سعيد المغربي ، المغرب ، ج ١ ، ص ٤٠ ، ٤٤ ، ٥٠. ابن عذاري ، البيان ، ج ٢ ، ص ٤٨ ، ٦٤ ، ٦٥ ، ٦٩ ، ٧٥ ، ٨٠ ، ٨٢.
(١) آخر ملوك الغساسنة ببلاد الشام واسمه الكامل جبلة بن الأيهم بن جبلة بن الحارث بن ثعلبة بن جفنة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن الغساني. استفحل ملكه ، ولما افتتح المسلمون الشام أسلم جبلة وهاجر إلى المدينة. وأحسن الخليفة عمر نزوله وأكرم وفادته وأجلّه بأرفع رتب المهاجرين. ثم طلبه للقصاص بعد أن لطم رجلا من المسلمين وطئ فضل إزاره وهو يسحبه في الأرض. فرفض الامتثال وارتد عن الإسلام ورحل إلى قيصر الروم وأقام بالقسطنطينية حتى مات سنة ٢٠ ه. وقد ندم ولم يزل باكيا على فعلته تلك ، وكان يبعث بالجوائز إلى الشاعر حسان بن ثابت لما كان منه في مدح قومه ومدحه في الجاهلية. المسعودي ، مروج الذهب ، ج ٢ ، ص ١٠٢. ابن خلدون ، العبر ، مج ٢ ، ص ٣٢٦.
(٢) جناس ناقص بين" عائذا وعائدا".
(٣) الرّعن : الأنف العظيم من الجبل تراه متقدّما والجمع رعان ورعون. وقيل : الرّعن من الجبال ليس بطويل ، وقيل هو الطويل. ومنه قيل للجيش العظيم أرعن أي له فضول كرعان الجبل. لسان العرب ، ج ١٣ ، ص ١٨٢.
(٤) والجمع سعود وهي الكواكب التي يقال لكل واحد منها سعد كذا ، وهي عشرة أنجم كل واحد منها سعد ، أربعة منها منازل ينزل بها القمر ، وهي : سعد الذابح ، وسعد بلع ، وسعد السعود ، وسعد الأخبية ، وهي في برجي الجدي والدلو. وستة لا ينزل بها القمر وهي : سعد ناشرة ، ـ