تبصّرها ، فما عشي إليها عاش (١) ، ولا بات أحد إلّا وقد غشيه من الذّعر غاش.
ثم جاءهم ثقاتهم في الخبر بالثبت ، وذلك في اليوم الثاني الذي هو يوم السبت (٢) ، وفيه وصل بعض الأجراء الساحلية ، فحققوا أنهم عاينوا العدو فيما يليهم من البحر مارا ، ولكتائبه البحرية الحربية جارّا ، وانّهم عدّوا من القلوع مائة وخمسين ريحها رخاء (٣) ، وعدوها في تلك الأرجاء إرخاء (٤) ، فدلّ طريقهم أنهم يؤمّون جهة مخصوصة ، ويقصدون المرسى المعروف بشنت بوصة (٥).
__________________
= كما عيرت تميم ينقب الطعام بسبب ما لقي عمار هىذا. الميداني مجمع الأمثال، ج ١، ص ١٧ وص ٥٤٨.
(١) عشا يعشو إذا أتى نارا للضيافة. وعشا إلى النار وعشاها عشوا وعشوّا واعتشاها واعتشى بها : رآها ليلا على بعد فقصدها مستضيئا بها. قال الحطيئة :
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره |
|
تجد خير نار عندها خير موقد |
أي متى تأته لا تتبين ناره من ضعف بصرك. وعشوت إلى النار أعشو إليها عشوا إذا استدللت عليها ببصر ضعيف. والعرب تقول : عشوت إلى النار أعشو عشوا أي قصدتها مهتديا بها ، وعشوت عنها أي أعرضت عنها ، فيفرّقون بين إلى وعن موصولين بالفعل. لسان العرب ، ج ١٥ ، ص ٥٧.
(٢) أي السادس عشر من شهر شوال / الثامن من سبتمبر.
(٣) الريح الرّخاء : الريح اللينة السريعة لا تزعزع شيئا. قال تعالى عن نبيه سليمان : (" فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ"). سورة ص ، الآية ٣٦. وحيث أصاب أي حيث قصد. لسان العرب ، ج ١٤ ، ص ٣١٥.
(٤) الإرخاء : شدة العدو. وقيل : هو فوق التقريب. قال امرؤ القيس :
له أيطلا ظبي وساقا نعامة |
|
وإرخاء سرحان وتقريب تتفل |
لسان العرب ، ج ١٤ ، ص ٣١٥.
(٥) شنت بوصة أو سانتا بونزاSanta Ponza : يقع هذا المرسى في الجنوب الغربي من مدينة ميورقة ويبعد عنها بحوالي ستة عشر كيلومترا (١٠ أميال). وفيه جرت أول معركة بين المسلمين والنصارى. عصام سيسالم ، جزر الأندلس المنسية ، ص ٤٢١.