الجمحي محمد بن سلّام مؤلف كتاب «طبقات الشعراء» ، وأبو عبيد في طبقة من أخذ عنه .. إلى غير هذا مما لا يفيدك ذكره علما.
فلما اجتمع شكواك ما تشكّيته (١) إلى ما أرى الناس يتهافتون فيه خبط عشواء ، وصيد ظلماء ، ورأيتك إذا أجريت منه شيئا انتقرته (٢) ، وأسرعت إلى تعليقه وافترصته ؛ أشفقت من لبس يدخل عليك فيه ، أو سهو يحملك على باطل تحكيه ؛ وأعيذ إخواني بالله مما لا يسرّني في الأعداء ، ولا أفرح به في البعداء ، وذوي الشنآن والبغضاء. فرسمت لك في هذا الكتاب ما تقبح الغفلة عنه ، ولا يسع العقلاء جهله ، وجمعت ما خشيت من تفرّقه عليك ، وخفت أن يصعب إلقاؤه إليك. وأرجو ألا أقصّر عما يقنعك ، ولا أتعدى إلى تطويل لا ينفعك ، بإذن الله.
[و](٣) اعلم ـ علمت الخير وعملت به ـ أن أكثر (٤) آفات الناس الرؤساء الجهال ، والصدور الضلّال ، وهذه فتنة الناس على قديم الأيام وغابر الأزمان ، فكيف بعصرنا هذا ، وقد وصلنا إلى كدر الكدر ، وانتهينا إلى عكر العكر! وأخذ هذا العلم عمّن لا يعلم ولا يفقه ، ولا يحس ولا ينقه (٥) ، يفهّم الناس ما لا يفهم ، ويعلّمهم عند نفسه وهو لا يعلم ، يتقلّد كلّ علم ويدّعيه ، ويركب كلّ إفك ويحكيه ، يجهل ويرى نفسه عالما ، ويعيب من كان من العيب سالما.
يتعاطى كلّ شيء |
|
وهو لا يحسن شيّا |
فهو لا يزداد رشدا |
|
إنّما يزداد غيّا |
ثم لا يرضى بهذا حتى يعتقد أنه أعلم الناس ، ولا يمنعه ذلك حتى يظنّ أن كل من أخذ هذا العلم عنه لو حشروا لاحتاجوا إلى التعلم منه ، فهو بلاء على المتعلمين ووبال على المتأدبين ، إن روى كذب ، وإن سئل تذبذب ، وإن نوظر صخب ، وإن خولف شغب ، وإن قرّر عليه الكلام سبّ.
يصيب وما يدري ، ويخطي وما درى |
|
وكيف يكون النّوك إلا كذلكا! (٦) |
__________________
(١) تشكى : اشتكى.
(٢) حاشية الأصل : «خ ـ انتهزته».
(٣) تكملة من المزهر فيما نقله عن أبي الطيب.
(٤) خ : «أكبر».
(٥) ينقه : يفهم.
(٦) من أبيات لأبي الأسود الدؤلي ؛ وكان قد وجه رسولا إلى الحصين بن أبي الحر العنبري وإلى نعيم بن مسعود النهشلي ـ وكانا يليان بعض أعمال الخراج لزياد ـ وكتب معه إليهما ، وأراد