فالواحد من هؤلاء في طبقة من الجهل لا تدرك بالمقياس ولم يهتد إليها (١) الخليل حين طبّق الناس.
أخبرنا محمد بن يحيى بن العباس (٢) قال : حدّثنا أبو أحمد محمد بن موسى البربري (٣) قال : حدّثنا الزبير بن بكار (٤) قال : حدّثنا النضر بن شميل قال : سمعت الخليل يقول : من الناس من يدري أنه يدري فذاك عالم فاتّبعوه ، ومنهم من يدري ولا يدري أنه يدري فذاك ضالّ فأرشدوه ومنهم من لا يدري ويدري أنه لا يدري فذاك طالب فعلموه ، ومنهم من لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذاك جاهل فاحذروه.
ولقد بلغني عن بعض من يختص بهذا العلم ويرويه ، ويزعم أنه يتقنه ويدريه ، أنه أسند (٥) شيئا فقال : «عن الفرّاء عن المازنيّ» ، فظن أن الفراء الذي كان هو بإزاء الأخفش كان يروي عن المازني!.
وحدّثت عن آخر أنه روى مناظرة جرت بين ابن الأعرابي والأصمعي ، وهما ما اجتمعا قط (٦) ، وابن الأعرابي بإزاء غلمان الأصمعي ، وإنما كان يرد
__________________
منهما أن يبراه ؛ ففعل ذلك نعيم بن مسعود ، ورمى الحصين بن أبي الحر بكتاب أبي الأسود وراء ظهره ؛ فعاد الرجل فأخبره ؛ فقال أبو الأسود للحصين :
حسبت كتابي إذ أتاك تعرّضا |
|
لسيبك لم يذهب رجائي هنالكا |
وخبّرني من كنت أرسلت أنّما |
|
أخذت كتابي معرضا بشمالكا |
نظرت إلى عنوانه فنبذته |
|
كنبذك نعلا أخلقت من نعالكا |
نعيم بن مسعود أحقّ بما أتى |
|
وأنت بما تأتي حقيق بذالكا |
يصيب وما يدري ، ويخطي وما درى |
|
وكيف يكون النّوك إلّا كذلكا! |
(وانظر الأغاني ١٢ / ٣٠٧).
(١) خ : «إليه».
(٢) هو محمد بن يحيى بن عبد الله بن العباس بن محمد بن صول المعروف بأبي بكر الصولي ؛ شيخ المؤلف ، اشتهر بالرواية والحفظ ؛ ودوّن أخبار الوزراء والكتّاب والشعراء والرؤساء ؛ توفي سنة ٣٣٥. (وانظر إنباه الرواة ٣ / ٢٣٣ ـ ٢٣٦ ، وتاريخ بغداد ٣ / ٤٢٧ ـ ٤٣٢).
(٣) هو محمد بن محمد بن موسى بن حماد أبو أحمد المعروف بالبربري ؛ توفي سنة ٢٩٤. (وانظر تاريخ بغداد ٣ / ٢٤٣).
(٤) هو الزبير بن بكار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام صاحب كتاب نسب قريش. توفي سنة ٢٥٦. (اللباب ١ / ٤٩٦).
(٥) يقال : أسند الحديث إذا رفعه.
(٦) كذا ذكر في الأصل ، وفيه نظر ، فقد ذكر الزبيدي عن الفضل بن سعيد بن سلم أنه قال «كان ابن الأعرابي يؤدبنا في أيام أبي سعيد بن سلم ، فكان الأصمعي يأتينا مواصلا فيناظره ابن