وكان أعلم الناس بكلام العرب ؛ وزعموا أنه كان يجيب في كلّ اللغة.
وممّا يدلّ على صحة هذا ما حدّثنا به محمد بن عبد الواحد الزاهد (١) قال : أخبرنا أبو عمرو بن الطوسي عن أبيه عن اللّحيانيّ في كتابه «النوادر» قال : حدّثنا الأصمعي قال : كان غلام يطيف بأبي الأسود يتعلّم منه النحو ، فقال له يوما : ما فعل أبوك يا بنيّ؟ قال : أخذته حمّى ، فضخته فضخا ، وطبخته طبخا ، وفنخته فنخا ، فتركته فرخا ؛ قال : فما فعلت امرأة أبيك التي كانت تشارّه ، وتجارّه ، وتزارّه ، وتهارّه ، وتمارّه؟ قال : خيرا ، طلّقها وتزوّج غيرها ، فحظيت ، ورضيت وبظيت ؛ قال : ما «بظيت» يابن أخي؟ قال : حرف من العربية لم يبلغك. قال : لا خير لك فيما لم يبلغني منها (٢).
قوله : «فضخته فضخا» من قولهم : فضخت الشيء أفضخه فضخا إذا شدخته ؛ والفضيخ من النّبيذ ما يتّخذ من البسر والرّطب إذا فضخا ، أي شدخا ، قال الراجز :
إذا رأيت أنجما من الأسد |
|
جبهته أو الخراة والكتد (٣) |
بال سهيل في الفضيخ ففسد (٤) |
|
وطاب ألبان اللّقاح وبرد |
وقوله : «وفنخته فنخا» من قولهم : فنخت رأسه فنخا ، إذا فتّتّ العظم من غير شقّ ولا إدماء ، قال الراجز (٥) :
والله لو لا أن يحشّ الطّبّخ |
|
بي الجحيم حيث لا مستصرخ (٦) |
لعلم الجهّال أنّي مفنخ |
|
لهامهم أرضّه وأنقخ |
ويقال : رجل فنيخ ، إذا كان رخوا ضعيفا.
__________________
(١) هو أبو عمر الزاهد محمود بن عبد الواحد بن أبي هاشم المعروف بغلام ثعلب ، أحد الرواة الإثبات وشيخ المؤلف ، توفي سنة ٣٤٥. (إنباه الرواة ٣ / ١٧١).
(٢) الخبر في طبقات النحويين واللغويين للزبيدي ٢٣ (المعارف) والفائق للزمخشري والفائق ١ / ٥٢٨.
(٣) الأسد هنا : أحد أبراج السماء الاثنا عشر. وجبهة الأسد والخراتان والكتد أربعة أنجم. في الأبيات في اللسان : (خرت ، كتد ، جبه).
(٤) قال في اللسان (فضخ) في شرح البيت : «يقول : لما طلع سهيل ذهب زمن البسر في الرّطب ؛ فكأنه بال فيه».
(٥) هو العجاج ؛ والأبيات في ديوانه ٤٥٩ ، واللسان (فنخ).
(٦) قال في اللسان (طبخ): «يعني بالطبخ الملائكة الموكلين بالعذاب» والطبخ : جمع طابخ.