حفص الصيرفيّ قال : حدّثنا أبو عاصم (١) قال : دخلنا على الخليل بن أحمد قبل وفاته بأيام فقال : والله ما فعلت قطّ فعلا أخاف على نفسي منه ـ وكان لي فضل فكر ـ صرفته إلى جهة ووددت أني كنت صرفته إلى غيرها ، وما علمت أني كذبت متعمّدا قط ، وأرجو أن يغفر الله لي التأوّل.
قال أبو الطيّب اللّغويّ : وأبدع الخليل بدائع لم يسبق إليها ، فمن ذلك تأليفه كلام العرب على الحروف في الكتاب المسمّى بكتاب «العين» فإنه هو الذي رتّب أبوابه ، وتوفّي من قبل أن يحشوه.
أخبرنا محمد بن يحيى قال : سمعت أحمد بن يحيى ثعلبا يقول : إنما وقع الغلط في «كتاب العين» لأن الخليل رسمه ولم يحشه ، ولو كان حشاه ما بقّى فيه شيئا ، لأن الخليل رجل لم ير مثله.
قال : وقد حشا الكتاب أيضا قوم علماء ، إلا أنهم لم يؤخذ منهم رواية ، وإنّما وجد بنقل الورّاقين ، فاختلّ الكتاب لهذه الجهة.
أخبرنا محمد بن عبد الواحد الزاهد قال : حدّثني فتىّ قدم علينا من خراسان ـ وكان يقرأ عليّ كتاب «العين» ـ قال : أخبرني أبي عن إسحاق بن راهويه قال : كان الليث (٢) صاحب الخليل بن أحمد رجلا صالحا ، وكان الخليل عمل من كتاب «العين» باب العين وحده ، فأحبّ الليث أن تنفق سوق الخليل ، فصنّف باقي الكتاب ، وسمّى نفسه الخليل.
وقال لي مرة أخرى : فسمى لسانه «الخليل» من حبّه للخليل بن أحمد ، فهو إذا قال في الكتاب : «قال الخليل بن أحمد» فهو الخليل ، وإذا قال : «وقال الخليل» ، مطلقا فهو يحكي عن نفسه ، فكلّ ما كان في الكتاب من خلل فإنه منه لا من الخليل بن أحمد.
وممّا أبدع فيه الخليل اختراعه العروض التي حظرت (٣) على أوزان العرب ، وألحقت المفحمين بالمطبوعين.
وبلغنا عن الخليل أنه تعلّق بأستار الكعبة ، وقال : اللهمّ ارزقني علما لم
__________________
(١) هو أبو عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني البصري ؛ من شيوخ المحدثين وحفاظهم : توفي سنة ٢١٢. (تذكرة الحفاظ ١ / ٣٣٤).
(٢) هو الليث بن نصر بن سيار الخراساني. قال ابن المعتز : «كان من أكتب الناس في زمانه. بارعا في الأدب ، بصيرا بالشعر والغريب والنحو ؛ وكان كاتبا للبرامكة». (بغية الوعاة ٢ / ٢٧).
(٣) حظرت ، أي قصرت ، والعروض : ميزان الشعر وهي مؤنثة.