إلى أهل الكوفة فعرّفهم الأشعار التي قد أدخلها في أشعار الناس ، فقالوا له : أنت كنت عندنا في ذلك الوقت أوثق منك الساعة ، فبقي ذلك في دواوينهم إلى اليوم.
وممن أخذ عنه واختصّ به أبو نواس ، وقد أخذ عن أبي عبيدة أيضا ، وله في خلف مراث (١).
ونعود إلى ذكر الأصمعيّ.
أخبرنا جعفر بن محمد قال : أخبرنا عليّ بن سهل ، قال : أخبرنا أبو عثمان الأشناندانيّ (٢) قال : أخبرنا التوّزيّ قال : خرجت إلى بغداد ، فحضرت حلقة الفرّاء ، فرأيته يحكي عن الأعراب ويحتشد (٣) بشواهد ؛ ما كان أصحابنا يحفلون ببعضها ، فلما أنس بي قال لي : ما فعل أبو زيد؟ قلت : ملازم لبيته ومسجده ، وقد أسنّ ، فقال : ذاك أعلم الناس باللّغة وأحفظهم لها. ما فعل أبو عبيدة؟ قلت : ملازم لبيته ومسجده ، على سوء خلقه. فقال : أما إنه أكمل القوم وأعلمهم بأيام العرب ومذاهبها. ما فعل الأصمعيّ؟ قلت : ملازم لبيته ومسجده. قال : ذاك أعلمهم بالشعر ، وأتقنهم للّغة ، وأحضرهم حفظا. ما فعل الأخفش؟ يعني سعيد بن مسعدة ـ قلت : معافى ، تركته عازما على الخروج إلى الرّيّ. قال : أما إنه إن كان خرج فقد خرج معه النّحو كلّه والعلم بأصوله وفروعه.
ولم ير الناس أحضر جوابا ، وأتقن لما يحفظ من الأصمعيّ ، ولا أصدق لهجة منه ، وكان شديد التألّه (٤) ؛ كان لا يفسّر شيئا من القرآن ولا شيئا من اللغة له نظير أو اشتقاق في القرآن وكذلك الحديث تحرّجا ، وكان لا يفسّر شعرا فيه هجاء ، ولم يرفع (٥) من الحديث إلا أحاديث يسيرة ، وكان صدوقا في كل شيء ، من أهل السنّة.
وولد سنة ثلاث وعشرين ومائة ، وعمّر نيّفا وتسعين سنة. وقال عبد الرحمن : مات عمّي في صفر سنة ست عشرة ومائتين ، وله إحدى وتسعون سنة.
__________________
(١) ذكر السيوطي أن خلفا توفي في حد ثمانين ومائة ؛ وانظر مراثي أبي نواس في ديوانه ١٣٢ ـ ١٣٥.
(٢) هو أبو عثمان سعيد بن هارون الأشنانداني ؛ كان نحويا لغويا من أئمة اللغة ؛ أخذ عنه ابن دريد ، وتوفي سنة ٢٨٨. (معجم الأدباء ١١ / ٢٣٠).
(٣) ابن نوبخت : «هو عندي ـ يحتج».
(٤) التأله : التنسك.
(٥) يرفع ، من رفع المحدث الحديث ، إذا نسبه لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم.