أبو عبيدة بيت عبد مناف بن ربعيّ (١) الهذليّ :
حتّى إذا أسلكوهم في قتائدة |
|
شلّا ، كما تطرد الجمّالة الشردا (٢) |
وقال : هذا كلام لم يجئ له خبر. وهذا البيت آخر قصيدة. قال : ومثله قول الله عز وجل : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً) [الرعد : ٣١].
قال : فجئت إلى الأصمعيّ فأخبرته بذلك ، فقال : أخطأ ابن الحائك ، إنّما الخبر في قوله : «شلّا» ، كأنه قال : شلّوهم شلّا. قال : فجعلت أكتب ما يقول ، ففكّر ساعة ثم قال لي : اصبر ؛ فإني أظنّه كما قال ، لأن أبا الجوديّ الراجز أنشدني :
لو قد حداهنّ أبو الجوديّ (٣) |
|
برجز مسحنفر الرويّ (٤) |
مستويات كنوى البرنيّ (٥) |
فهذا كلام لم يجئ له خبر.
فانظر إلى هذا الإنصاف بينهم (٦) ، مع شدّة المنافسة ، ثم لا يتّهم أحدهم صاحبه بالكذب ، ولا يقرفه بالتزيّد ، لأنهم يبعدون عن ذلك.
فأما حضور حفظه وذكاؤه فإنه كان في ذلك أعجوبة. أخبرنا محمد بن يحيى قال : أخبرنا القاسم بن إسماعيل قال : حدّثنا التوّزيّ قال : كنّا عند الأصمعيّ ، فوقف عليه أعرابيّ من بني أسد ، فقال له : ما معنى قول الشاعر :
لا مال إلا العطاف تؤزره |
|
أمّ ثلاثين وابنة الجبل (٧) |
__________________
(١) بخط ابن نوبخت : «ربع» ، بكسر الراء وسكون الباء.
(٢) قتائدة : موضع ، والجمالة : أصحاب الجمال كالبغالة والحمارة ؛ وانتصاب «شلا» على المصدر ، ودل على فعل مضمر يحصل بظهوره جواب : «حتى إذا أسلكوهم» المنتظر ؛ وتلخيص اللام : حتى إذا أسلكوهم هذا الموضع شلوهم شلا. والبيت في ديوان الهذليين ٢ / ٤٢.
(٣) ويقال «الحوذي» والأبيات في اللسان (جود ـ حوذ) وديوان الهذليين ٢ / ٤٣.
(٤) المسحنفر : الممتد.
(٥) البرني : ضرب من التمر أصفر مدور ، وهو من أجود التمر ؛ واحدته برنية.
(٦) بخط ابن نوبخت «منهم».
(٧) الأبيات في أمالي المرتضى ١ / ٣٥٩ وهي في اللسان (عكف) ؛ وروي عن ثعلب أنها في وصف صعلوك. وبعد هذا البيت فيهما :
لا يرتقي النز في ذلاذله |
|
ولا يعدي نعليه من بلل |
والنز : الماء الذي يتحلب من الأرض. والذلاذل : أسافل القميص الطويل.