فاندفع الأصمعيّ ينشد باقي الشعر :
عصرته نطفة تضنّنها |
|
لصب تلقّى مواقع السّبل |
أو وجبة من جناة أشكلة |
|
إن لم يرغها بالقوس لم تنل |
فعجب الأعرابيّ وقال : ما رأيت عضلة كاليوم!
وإنما وصف هذا الشاعر صائدا فأخبر أنه لا مال له ، إلا العطاف ، وهو السيف ، قال الشاعر :
رأيتكما يا بني عياذ غدوتما |
|
على مال ألوى لا سنيد ولا ألف (١) |
ولا مال لي إلا عطاف ومدرع |
|
لكم طرف منه حديد ولي طرف (٢) |
وقوله : «تؤزره» أي تعينه ، وأمّ ثلاثين : كنانة فيها ثلاثون نبلة. وابنة الجبل : قوس عملت من سدرة جبليّة. وقوله : «عصرته» ، أي ملجأه. والنطفة : الماء.واللّصب : نقرة في الجبل ، ويقال : شقّ في الجبل. والسّبل : المطر. والوجبة : الأكلة في اليوم والليلة. والأشكلة : سدرة تحمل لونين من النّبق بيضاء وحمراء ، وجناتها : ثمرتها. ويرغها : يلتمسها. والعضلة : الأمر العظيم.
أخبرنا أبو روق الهزّانيّ (٣) قال : حدّثنا الرياشيّ قال : كنّا عند الأصمعيّ فوقف عليه أعرابيّ ، فقال : أنت الأصمعيّ؟ قال : نعم. قال : أنت عالم أهل الحضر بكلام العرب؟ قال : كذلك يزعمون. قال : ما معنى قول الأوّل :
وما ذاك إلا الدّيك شارب خمرة |
|
نديم الغراب لا يملّ الحوانيا |
فلما استقلّ الصبح نادى بصوته : |
|
ألا يا غراب ، هل رددت ردائيا |
فقال الأصمعيّ : إنّ العرب كانت تزعم أنّ الدّيك في الزّمان الأول كان ذا جناح يطير به في الجوّ ، وأنّ الغراب كان ذا جناح كجناح الديك لا يطير به ، وأنّهما تنادما ذات ليلة في حانة يشربان ، فنفد شرابهما ، فقال الغراب للديك : لو أعرتني جناحك لأتيتك بشراب ، فأعاره جناحه ، فطار ولم يرجع ، فزعموا أن
__________________
(١) البيتان في جمهرة ابن دريد ١ / ١١٨ ، والثاني في اللسان (عطف) أيضا. والألوى : الشديد الخصومة. والسنيد : الدعي.
(٢) قال ابن دريد : «أراد هاهنا السيف ؛ يقول : لكم ظبته التي أضربكم بها ولي طرفه الذي أمسكه به».
(٣) الهزاني ، بكسر الهاء منسوب إلى هزان ، بطن من العتيك ، والعتيق في ربيعة. وأبو روق ذكره ابن الأثير في اللباب ، وقال : حدث هو وأبوه عن ميمون بن مهران الكاتب.