الدّيك إنما يصيح عند الفجر استدعاء لجناحه من الغراب. فضحك الأعرابيّ وقال : ما أنت إلا شيطان!
وهذا الشعر لأميّة بن أبي الصّلت (١)!.
أخبرنا محمد بن يحيى قال : حدّثنا محمد بن العباس قال : حدّثني الخليل بن أسد ، قال : كنا عند الأصمعيّ فجاءه رجل فقال : زعم أبو زيد أن النّدى : ما كان في الأرض ، والسّدى : ما سقط من السماء. فغضب الأصمعيّ وقال : فما يصنع بقول الشاعر :
ولقد أتيت البيت يخشى أهله |
|
بعد الهدوّ وبعد ما سقط النّدى |
أفتراه سقط من الأرض إلى السماء (٢)!
أخبرنا محمد بن يحيى قال : أخبرنا محمد بن يزيد ؛ قال : حدّثنا عبد الصمد بن المعذّل (٣) قال : رأيت الأصمعيّ بمكة ؛ وقد جاءه الأحمر الكوفيّ (٤) فألقى عليه مسائل من الغريب ، فجعل يجيبه الأحمر كأنه مجنون من سؤاله وحركته.
فلما انقضت المسائل تمثّل الأصمعيّ بقول ابن مقبل (٥) :
ما لك تجري إلينا غير ذي رسن |
|
وقد تكون إذا نجريك تعنينا (٦) |
وقد بريت قداحا أنت مرسلها |
|
ونحن راموك فانظر كيف ترمينا |
ثم سأله الأصمعيّ عن بيت فلم يجب ، فسأله عن ثان فلم يجب ، فسأله عن ثالث فلجلج ، فقال الأصمعيّ متمثّلا :
يلجلج مضغة فيها أنيض |
|
أصلّت فهي تحت الكشح داء (٧) |
غصصت بنيئها وبشمت عنها |
|
وعندي لو طلبت لها شفاء (٨) |
__________________
(١) البيتان في ديوان ٧١ ، ٧٢.
(٢) الخبر والبيت في اللسان (سدى).
(٣) هو عبد الصمد بن المعذل بن غيلان ؛ من شعراء الدولة العباسية ؛ بصري المولد والمنشأ ؛ وقد روى عنه كثير من اللغة والأخبار وقليل من الحديث. (وانظر ترجمته وأخباره في الأغاني ١٢ / ٥٤ ـ ٦٩).
(٤) هو عليّ بن الحسن صاحب الكسائي. بغية الوعاة : ٢ / ١٥٨.
(٥) من قصيدة له في ديوانه ٣٣٠ ، وجمهرة الأشعار : ٣٣١.
(٦) في الديوان : «تجزي» بالزاي. وتعنينا ، أي تكلفنا العناء.
(٧) البيتان لزهير ؛ ديوانه : ٨٢. والأنيض : فساد اللحم ، (اللسان ـ أنض).
(٨) في الديوان : «وعندك لو أردت لها دواء».