ولولا الاشفاق من أن يتعلّق بعض هؤلاء المجان (١) بما أحكيه عنهم لقلت كما يقولون.
والامامة ـ أسعدكم الله ـ إنّما تصحُّ عندنا بالنصِّ وظهور الفضل والعلم بالدِّين مع الاعراض عن القياس والاجتهاد في الفرائض السمعيّة وفي فروعها ومن هذا الوجه عرفنا إمامة الامام ، وسنقول في اختلاف الشيعة قولاً مقنعاً.
قال صاحب الكتاب : ثمّ لم يخل اختلافهم من أن يكون مولّداً من أنفسهم أو من عند الناقلين إليهم أو من عند أئمّتهم ، فإنَّ كان اختلافهم من قبل أئمّتهم فالامام من جمع الكلمة ، لا من كان سبباً للاختلاف بين الاُمّة لاسيّما وهم أولياؤه دون أعدائه ، ومن لا تقيّة بينهم وبينه ، وما الفرق بين المؤتمّة والاُمّة إذ كانوا (٢) مع أئمّتهم وحجج الله عليهم في أكثر ما عابوا على الاُمّة الّتى لا إمام لها من المخالفة في الدِّين وإكفار بعضهم بعضاً ، وإن يكن اختلافهم من قبل الناقلين إليهم دينهم فما يؤمنهم من أن يكون هذا سبيلهم معهم فيما ألقوا إليه من الامامة ، لا سيّما إذا كان المدّعى له الامامة معدوم العين غير مرئِّي الشخص ، وهو حجّة عليهم فيما يدعون لامامهم من علم الغيب إذا كان خيرته والتراجمة بينه وبين شيعته كذَّا بين يكذبون عليه ، ولا علم له بهم ، وإن يكن اختلاف المؤتمّة في دينها من قبل أنفسها دون أئمّتها فما حاجة المؤتمّة إلى الائمّة إذ كانوا بأنفسهم مستغنين وهو بين أظهرهم ولا ينهاهم وهو التراجمان لهم من الله والحجّة عليهم؟ هذا أيضاً من أدل الدّليل على عدمه وما يدّعى من علم الغيب له ، لأنّه لو كان موجوداً لم يسعه ترك البيان لشيعته كما قال الله عزَّ وجلَّ : « وما أنزلنا عليك الكتاب إلّا لتبيّن لهم الّذي اختلفوا فيه ـ الآية » (٣) فكما بيّن الرَّسول صلىاللهعليهوآله لاُمّته وجب على الامام مثله لشيعته.
فأقول ـ وبالله الثّقة ـ : إنَّ اختلاف الاماميّة إنّما هو من قبل كذَّا بين دلسوا
__________________
(١) مجن الشيء غلظ وصلب. مزح وقل حياء ، كانه صلب وجهه فهو ما جن والجمع مجان ، وفيء بعض النسخ « الفجار » وفى بعضها « المخالفين ». والاشفاق : الخوف.
(٢) في بعض النسخ « بين المؤتمة والائمّة إذا كانوا ».
(٣) النحل : ٦٦.