أنفسهم فيهم في الوقت بعد الوقت ، والزَّمان بعد الزَّمان ، حتّى عظم البلاء ، وكان أسلافهم قوم يرجعون إلى ورع واجتهاد وسلامة ناحية ، ولم يكونوا أصحاب نظر وتميز فكانوا إذا رأوا رجلاً مستوراً يروي خبراً أحسنوا به الظنَّ وقبلوه ، فلمّا كثر هذا وظهر شكوا إلى أئمّتهم فأمرهم الائمّة عليهمالسلام بأن يأخذوا بما يجمع عليه فلم يفعلوا وجروا على عادتهم ، فكانت الخيانة من قبلهم لامن قبل أئمّتهم ، والامام أيضاً لم يقف على كلّ هذه التخاليط الّتي رويت لأنّه لا يعلم الغيب (١) ، وإنّما هو عبد صالح يعلم الكتاب والسنّة ، ويعلم من أخبار شيعته ما يُنهى إليه.
وأما قوله « فما يؤمنهم أن يكون هذا سبيلهم فيما ألقوا إليهم من أمر الامامة » فإنَّ الفصل بين ذلك أنَّ الامامة تنقل إليهم بالتواتر ، والتواتر لا ينكشف عن كذب وهذه الأخبار فكلُّ واحد منها إنّما خبر واحد لا يوجب خبره العلم وخبر الواحد قد يصدق ويكذب وليس هذا سبيل التواتر. هذا جوابنا وكلُّ ما أتى به سوى هذا فهو ساقط.
ثم يقال له : أخبرنا عن اختلاف الاُمّة هل تخلوا من الاقسام الّتي قسمتها؟ فإذا قال : لا ، قيل له : أفليس الرَّسول إنّما بعث لجمع الكلمة؟ فلابدَّ من نعم ، فيقال له : أو ليس قد قال الله عزَّ وجلَّ : « وما أنزلنا عليك الكتاب إلّا لتبيّن لهم الذى اختلفوا فيه »؟ فلابدَّ من نعم ، فيقال له : فهل بين؟ فلابدَّ من نعم ، فيقال له : فما سبب الاختلاف عرَّفناه واقنع منّا بمثله.
وأما قوله : « فما حاجة المؤتمّة إلى الائمّة إذ كانوا بأنفسهم مستغنين وهو بين أظهرهم لا ينهاهم ـ إلى آخر الفصل » فيقال له : أولى الاشياء بأهل الدِّين الانصاف أي قول قلناه؟ وأومأنا به إلى أنّا بأنفسنا مستغنين حتّى يقرعنا به صاحب الكتاب ويحتجُّ علينا أو أيُّ حجّة توجّهت له علينا توجب ما أوجبه؟ ومن لم يبال بأيِّ شيء قابل خصومه كثرت مسائله وجواباته.
__________________
(١) أي لا يعلمه بذاته ومن عند نفسه بل يعلم الغيب من جانب الله تعالى متى أراد إذا أراد الله أن يعلمه.